لم تكن الرحلة إلى الأخدود ذلك المكان المهيب رحلة عادية لموقع أثري تأريخي تزوره لتلتقط صورة هنا أو هناك ثم تمضي، كنت تسمع تلك الأصوات وهي تعلو بكلمة الحق ضد الظلم، كنت تشعر بلهيب تلك النار المحرقة وتشم رائحة تلك الجلود الطاهرة التي آثرت الإيمان على الكفر، كنت تحس برهبة ذلك الأخدود الذي تلقف جسدا تلو آخر طفلا وشيخا وامرأة ورجلا، عرفوا طريق الحق فاختاروه!، الرحلة إلى الأخدود في وادي نجران رحلة تمضي بها عبر الزمان إلى قوم صابرين مؤمنين كانت أرواحهم ثمنا لكلمة إيمان أطلقوها ضد طاغية توهم أنه يملك الحقيقة المطلقة!. عندما ذهبت في زيارتي الأخيرة إلى نجران، كان الأخدود هو المعلم الذي حرص الجميع على زيارته، بل كان هو الحاضر حتى في أحاديث المجموعة لما له من عمق تأريخي وديني في داخل كل منا، فقد خلد القرآن الكريم شجاعة وفداء أولئك الصامدين في سورة البروج، وبعد هذا التكريم من رب العالمين سبحانه وتعالى أليس جديرا بنا أن نحرص ونهتم بذلك الإرث الثقافي الذي يقول لكل من أراد أن ينتقص من امتداد ابن الجزيرة في حكاية الحضارة الرد عليه، وذلك باحتفائنا بمدائن صالح شمالا والأخدود جنوبا، فمعرفة الإنسان لتأريخه وتراثه وقصصه وأساطيره يسهل له معرفته لذاته كما نوه بذلك الناقد الكبير عبدالله إبراهيم في قوله «إن الأساطير والقصص هي الأدوات التي يتحدث بها المخيال المجتمعي عن رموزه التأسيسية ويكون من خلالها ذاته». حملة «الأخدود أرض الحضارات» خير شاهد على وعي إنسان هذه البلاد الطاهرة وحفاظه على مكتسباته الحضارية والثقافية والتأريخية في عالم أصبح الإنسان الواعي هو الثروة الحقيقية لبلده. هناك ونحن نمشي على أرض الأخدود كنا نشعر باهتزاز خفيف تحت أرجلنا وعندما تساءلنا عن ذلك قيل لنا إن هناك احتمالا كبيرا أن مدينة الأخدود في العمق هناك لم تكتشف بعد! وهنا يكمن التحدي الحقيقي لصاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله أمير منطقة نجران صانع تأريخ نجران الحديث ورجاله، أن يجعلوا مدينة الأخدود تظهر للعيان وليرسلوا رسالتهم التأريخية، إننا من صنع الحضارة قديما ومن أعاد اكتشافها حديثا. وليس غريبا على أبناء وبنات يام تكاتفهم في حملتهم الرائعة، ومطالبتهم الحضارية في مشروع تسجيل منطقة الأخدود الأثرية في منظمة اليونسكو بصفتها واحدة من مواقع أقدم الحضارات وأعرقها على مستوى العالم، ومن هنا بدأ فجر التأريخ ومن هنا سيستمر في إشراقه على العالم رقيا وحضارة، وسنحتفل قريبا بإذن الله بتسجيل الأخدود في منظمة اليونسكو العالمية، في عهد خادم الحرمين الشريفين. [email protected] للتواصل أرسل رسالة SMSإلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 269 مسافة ثم الرسالة