يصطحب الحاج الباكستاني غلام خان أثناء رحلة حجه، لائحة تحمل أسماء مجموعة من أقاربه وأصدقائه ومعارفه ممن قضوا نحبهم أو ممن ينتظرون، لأداء العمرة بدلا عنهم مقابل مبلغ مادي. يبرر غلام فعله بأنه يقتدي ببعض من يعرفهم ممن أتوا في السابق للحج والعمرة، مشيرا إلى أنه بالمتاجرة بالعمرة يعوض ثمن حجته أو جزءا منه ويكسب الأجر والمثوبة من الله عزوجل دون أن يلتفت للحكم الشرعي لفعله. ليس وحده غلام من يقدم على هذا الفعل في موسم الحج خصوصا أو في موسم العمرة عموما، فكثير من الحجاج والمتعمرين يستغلون قدومهم للأراضي المقدسة لتكرار العمرة وتحويلها للتجارة فتراه يؤدي العمرة بشكل يومي وفي بعض الأحيان أكثر من ثلاث مرات في اليوم الواحد. كثير ممن يكررون العمرة ويتاجرون بها لا يحسبون حسابا لتكدس المصلين في المسجد الحرام وكثرة القادمين لأداء العمرة أو الصلاة أو الطواف، فيضيقون عليهم في صحن الطواف والسعي بتكرار العمرة ويزاحمون الناس خصوصا في شهر ذي الحجة وفي شهر رمضان المبارك. ولو نظرنا إلى واقع المسجد الحرام في مكةالمكرمة من جانب الأرقام، لوجدنا أن سعة المسجد الحرام لا تزيد على مليون ونصف المليون هذا إن امتلأ الحرم عن بكرة أبيه دون أن نضيف الساحات الخارجية التي لا تفيد المعتمر شيئا، فهي مخصصة للمصلين بينما يبحث المعتمر عن صحن الطواف الذي لا تزيد سعته على 50 ألفا في ساعة الذروة والمسعى الذي بات يضيق على سعته من كثرة المعتمرين. واستشعارا من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز بأهمية هذا الموضوع وتوعية الحجاج والمتعمرين بضرورة الالتزام به، وجه الأمير نايف في نهاية شهر رمضان الماضي من مكةالمكرمة نداء للعلماء أن ينصحوا الناس بالاكتفاء بعمرة واحدة، قائلا «يجب أن يعلم من يأتي إلى الحرم الشريف أن هناك إخوانا لهم يريدون أن يأتوا للطواف والصلاة، وإذا صلى فرضا في الحرم فليترك مكانه لأخيه المسلم، خصوصا نحن مكلفون بأن نراعي من يأتي من المسلمين الذين بلغوا هذا العام خمسة ملايين معتمر، ويجب علينا أداء عمرة واحدة، وليس بالضرورة تأديتها كل عام، فالله يعبد في أي مكان». «عكاظ» فتحت ملف تكرار العمرة والمتاجرة بها، متسائلة عن الحكم الشرعي لها، ودور الجهات ذات العلاقة مثل مؤسسات الطوافة ورؤساء بعثات الحج والعلماء في سياق التحقيق التالي: بداية، يؤكد عدد من العاملين في التوعية الإسلامية في الحج عن تزايد أعداد المتاجرين بالعمرة، وذلك من خلال الأسئلة التي تصلهم من قبل الحجاج والمعتمرين أثناء موسم الحج، مشيرين إلى أن غالبيتهم لا يعرفون الحكم الشرعي لما يفعلونه بسبب جهلهم وأميتهم. وقال عضو التوعية الإسلامية في الحج ورئيس لجنة تقييم الأئمة والخطباء في وزارة الشؤون الإسلامية الدكتور عزام الشويعر إن كثيرا من الحجاج يأتون من بلادهم يحملون قوائم لعدد من الأسماء تصل لمائة في بعض الأحيان يريدون أن يؤدوا العمرة عنهم، ولا يعرفون حكم فعلهم ذلك في فترة الحج. وأبان الشويعر أنهم يوضحون للحجاج المفاسد الكثيرة التي تترتب على تكرار العمرة؛ ومنها مضايقة المسلمين في الحرم والتضييق على الآخرين وننصحهم بتأجيل العمرة إذا كانت للأقربين من آباء وأمهات وإخوان إلى فترات يكون الضغط على الحرم أقل خصوصا بعد الحج بفترة طويلة. وأشار إلى أن الدعاة يطلبون من الحجاج بأفعال بديلة عن العمرة لمن يحبون كالتصدق عنهم في مكةالمكرمة والإكثار من الدعاء لهم. وذكر الشويعر إلى أن بعضهم من كثرة جهلهم يعتمر في أيام التشريق وهناك أثر عن عائشة رضي الله عنها بأنه لا يجوز العمرة في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق، وحمل الشويعر مسؤولي بعثات الحج والمطوفين وبعض فقهاء الدول الإسلامية سبب هذه الأفعال وانتشارها، مطالبا العلماء ببيان الرؤى الشرعية والفقهية لمثل هذه الأفعال قبل قدوم الحجاج والمعتمرين للأراضي المقدسة. تكرار العمرة ويرى مستشار وزير الشؤون الإسلامية لشؤون الحج والعمرة المشرف على برامج التوعية في الحج الشيخ طلال العقيل أن تكرار العمرة والمتاجرة فيه خطأ كبير واحتيال على الشرع والنظام وإخراج الحج من مقصده الشرعي إلى المفهوم التجاري، مشيرا إلى أن أخذ الأموال من الناس لأداء العمرة عنهم نوع من الاحتيال، مبينا أن الإسلام أسقط الحج عن غير المستطيع والعمرة سوف تسقط عنه من باب أولى. وأكد العقيل على أنهم يوجهون الحاج إلى الاقتداء بالمنهج النبوي في الحج والعمرة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما قدم لأداء حجة الوداع سكن في الأبطح ولم ينزل للحرم إلا عند الطواف والسعي ولم يكرر العمرة، وشدد العقيل على أن هذا الفعل غير مقبول لا عقليا ولا سلوكيا ولا دينيا، محملا مفتي البعثات والمطوفين مسؤولية توعية الحجاج. بدورهم، دافع رؤساء البعثات والمرشدون الدينيون عن أنفسهم، مؤكدين أنهم لا يستطيعون منع حجاجهم من تكرار العمرة ولا يعرفون الشخص الذي يتاجر بتكرار العمرة. ويعترف المرشد الديني لحجاج جنوب آسيا الشيخ جيلاني بصعوبة توعية حجاج طاعنين في السن، أميين، ضعيفي الثقافة الدينية، مؤكدا على أن هناك برامج توعوية للحجاج بأن عمرة واحدة كافية، ونطالب الحجاج بالتوازن بالأفعال وإنزال النصوص الشرعية على الأفعال لمقتضياتها ودلالاتها ويكون هناك توازن فلا ضرر ولا ضرار. لكن الشيخ الجيلاني يؤكد أن نسبة الاستجابة متفاوتة، ولا يمكن أن يلزم الحجاج بمنع تكرار العمرة لكن توعيهم باختيار الوقت الأمثل لأدائها والبعد عن المتاجرة بها. فئات الحجاج ويؤكد مساعد وزير الداخلية المصري رئيس الجهاز التنفيذي للحج في جمهورية مصر العربية الدكتور اللواء صلاح هاشم محمد جمعة أنه من الصعوبة بمكان الطلب من الحجاج تكرار العمرة، كوننا نتعامل مع فئات مختلفة من الحجاج أغلبهم أميون أو ذو ثقافة ضعيفة، مشددا على أن برامج التوعية وحدها ليست كافية فلا بد من تعاون الحاج في تطبيق الرسائل التي أوصلت إليه في برامج التوعية، نافيا عدم معرفته بأشخاص من الحجاج المصريين يتاجرون بالعمرة. وشدد رئيس البعثة المغربية الدكتور أحمد القسطاس على كلام من سبقوه بأنه من الصعوبة بمكان منع الحجاج من تكرار العمرة، مشيرا إلى أن البعثة تقوم بدورها في التوعية لكن لا يمكن أن تلزم الحاج بعدم تكرار العمرة، مشيرا إلى أن المسألة تتعلق بنوعية برامج التوعية ومدى تفاعل الحجاج معها، مؤكدا على أنهم يطرحون مثل هذه التوجيهات من باب التيسير على الحجاج ورفع الحرج عنهم وهو ما نادت به الشريعة الإسلامية، ورأى أن المتاجرة بالعمرة أمر لا يجوز شرعا وهو ما نؤكد عليه، مطالبا المجامع الفقهية بضرورة أن تبدي رأيها في مثل هذه المسائل وتعميمها على الدول الإسلامية للأخذ بها. مسؤولية مشتركة ويرفض رؤساء مؤسسات الطوافة والمطوفون تحمل المسؤولية لوحدهم كونهم طرفا في القضية، مشيرين إلى أن مؤسسات الطوافة وقعت محاضر مع بعثات الدول تتضمن البعد عن التكدس في المسجد الحرام خصوصا في أوقات الذروة. وأبان عضو مجلس إدارة حجاج جنوب آسيا المسؤول عن حجاج دولة بنجلاديش المطوف رأفت بدر أنهم يحاولون بالتعاون مع مكاتب مجموعات الخدمة الميدانية تقليل ذهاب الحجاج إلى المسجد الحرام في أوقات الذروة، خصوصا للحجاج الذين سيمكثون في مكةالمكرمة إلى منتصف شهر محرم، مؤكدا على أن الشغل الشاغل لمؤسسات الطوافة توعية حجاجها بعدم النزول للمسجد الحرام وتكرار العمرة، مشيرا إلى أن مسألة المتاجرة بالعمرة أمر مستجد ويجب للفقهاء أن يتصدوا له ببيان الرؤية الفقيهة للمسألة. لكن رأفت بدر يشير إلى الحاج المسكين الذي جاء إلى مكةالمكرمة بعد أن أمضى كل العمر في جمع المال لهذه الرحلة التي ستكون الأولى والأخيرة، لذلك فلا يمكن أن نمنعه من أداء العمرة وتكرارها ولا نعرف هل يتاجر بها أم يؤديها طلبا للأجر والمثوبة. واستدرك بدر مبينا أنهم يوجهون الحجاج باختيار الوقت المناسب الذي لا يشهد ازدحاما كبيرا في المسجد الحرام لأداء العمرة، ونوضح لهم المخاطر الصحية والبيئية من التكدس والازدحام في المسجد الحرام؛ حرصا على أمن الحجاج وسلامتهم، داعيا المجامع الفقهية بضرورة التدخل وبيان الحكم الشرعي في المسألة لتوعية الحجاج بها. وحمل رئيس المؤسسة الأهلية مطوفي حجاج دول أفريقيا غير العربية المطوف عبدالواحد برهان سيف الدين الجهات العلمية والشرعية القصور في محاربة مثل هذه الظواهر السلبية ومنها المتاجرة بتكرار العمرة. وقال «دورنا في مؤسسات الطوافة ينحصر في التوعية العامة بالتعليمات وأنظمة الحج، أما ما يتعلق بالأمور الفقهية والدينية فهي مسؤولية الجهات الشرعية، موضحا أن الحاج يطبق ما تعلمه في بلده من شيخه»، داعيا إلى ضرورة التواصل مع الجهات الشرعية في الدول الإسلامية لتوعية الحجاج بمثل هذه المسائل. قصور التوعية ورأى سيف الدين أن هناك قصورا واضحا في تحديد النقاط التي يجب أن يركز عليها في برامج التوعية، مبينا أن مؤسسات الطوافة مع البعثات تحذر الحجاج من خطر التكدس ومزاحمة الناس في المسجد الحرام، أما مسألة توعية الحجاج بقضية تكرار العمرة والمتاجرة بها فيجب أن توكل للجهات الفقهية والشرعية في العالم الإسلامي، مطالبا بتوحيد الرسائل التوعوية في الجوانب الشرعية على كل الدول الإسلامية مع أهمية التيسير على الحجاج حماية لهم وتحقيقا للمنهج النبوي في حجة الوداع. وهنا يؤكد قائد أمن الحرم المكي الشريف العقيد يحيى الزهراني وجود حجاج يكررون العمرة في اليوم أكثر من مرة مما يتسبب في ازدحام كبير في صحن الطواف وأثناء السعي، واستحسن الزهراني فكرة تفويج الحجاج على مراحل للمسجد الحرام بحيث يكون هناك تنسيق بين مؤسسات الطوافة من أجل تخفيف الازدحام والتكدس في الحرم. محملا مؤسسات الطوافة والبعثات المسؤولية كاملة في نقص توعية الحجاج، مقترحا أن توفد كل مؤسسة طوافة مجموعة من المرشدين مع حجاجهم لاصطحابهم في الذهاب والعودة وترتيب ذلك بالتنسيق مع البعثات ومراقبة أفعالهم وتوعيتهم بعدم تكرار العمرة، وطالب الزهراني المجامع الفقهية والعلماء ببيان الحكم الشرعي للمتاجرة بالعمرة وإثم من يزاحم الناس في المسجد الحرام. أخطاء شرعية واعترف أعضاء المجامع الفقهية بكثرة الأخطاء الشرعية التي يقع فيها الحجاج ومنها تكرار العمرة والمتاجرة بها وسط الزحام الشديد، مؤكدين في الوقت نفسه أن المجامع يمكن أن تبدي رأيها إذا رفع لها هذه الممارسات والملاحظات لإبداء رأيها، مشددة على أن ما يخرج من المجامع الفقهية من فتاوى وأراء ليست إلزامية إنما استرشادية. وقال أمين مجمع الفقه الإسلامي السابق ووزير الأوقاف الأردني الدكتور عبدالسلام العبادي إن هناك أخطاء كثيرة يقع فيها الحجاج ومنها تكرار العمرة والمتاجرة بها وأداء الحج عن أشخاص عدة في وقت واحد وغيرها من الأمور التي لا تجوز شرعا وتعبر عن مدى جهل الحجاج في كثير من أمور الدين. مشيرا إلى أن الحجاج يجهلون النهج النبوي في الحج والعمرة ويأخذون أموالا من الناس لأداء العمرة والحج عنهم دون سؤال أهل العلم عن ذلك، مؤكدا أن للمجامع الفقهية دورا في التوعية من جهة وللجهات الدينية في البلاد الإسلامية دورا في التعميم على المساجد والأئمة والخطباء بتوعية الحجاج قبل وصولهم للأراضي المقدسة بعدم الوقوع في مثل هذه الأعمال وعدم استغلال فريضة الحج والعمرة بشكل مادي بحت، وداعيا في الوقت نفسه وسائل الإعلام للتصدي لمثل هذه الظواهر الخاطئة التي تظهر في موسمي الحج والعمرة. ويختلف مدير إدارة الفتوى والتشريعات المقارنة بالإنابة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي الدكتور عبدالقاهر محمد أحمد قمر الذي يرى من الصعوبة بمكان إصدار فتوى من المجامع الفقهية بعدم جواز تكرار العمرة، مستبعدا وجود حالات كثيرة تتاجر بالعمرة، وأضاف قائلا «لا تستطيع المجامع الفقهية أن تضيق واسعا»، مشيرا إلى أن كثيرا من الحجاج جاؤوا من بلاد بعيدة بعد أن جمعوا حصاد حياتهم من أجل رحلة العمر، فهم يستغلون هذه الفرصة لأداء العمرة عن آبائهم وأمهاتهم ولا يمكن أن نمنعهم من ذلك من أجل حالات فردية لمتاجرين بالعمرة لا يقاس عليها، لكن قمر يشير إلى أنه يمكن أن نوعي الحجاج باختيار الوقت المناسب للنزول للحرم وأداء العمرة وإرشاده إلى أفعال تغنيه عن تكرار العمرة لمن يحب مثل التصدق والدعاء لمن يحب.