يصر غلام على اصطحاب زوجته العجوز يوميا إلى المسجد الحرام لأداء الصلوات رغم النصائح التي تدعو إلى الاكتفاء بأداء صلاة واحدة في الحرم إلا أنه لم يعر تلك النصائح والتوجيهات أي اهتمام خصوصا أن الحرم يبعد أربعة كيلو مترات عن مقر سكنه. يرى غلام أن الصلاة في المسجد الحرام لا تعادلها الصلاة في مساجد مكةالمكرمة وأن قدومه لأداء فريضة الحج وهو على أبواب الثمانين من عمره بمثابة رحلة العمر ولن يستجيب لأي دعوة للصلاة خارج المسجد الحرام حتى ولو أخبروه بأن الصلاة تضاعف في مساجد مكة تماما كما في الحرم. حجة أخرى يضيفها غلام لمجموعة حججه في وجه من طالبه بالاكتفاء بصلاة واحدة في الحرم وترك المجال للآخرين هو بعض المعتقدات عند بعض الحجاج بأنه لا تصح حجته إلا بأداء كافة الصلوات في المسجد الحرام. حالة غلام تشبه حالات عديدة من الحجيج الذين يرفضون أن ينصاعوا لتوجيهات رؤساء البثعات والمطوفين بالاكتفاء بالصلاة في المساجد القريبة من مساكن الحجاج فالبعض يرى أن الصلاة في المسجد الحرام هي المضاعفة فقط جهلا منه بمعنى الحرم وحدوده، أما الفريق الآخر فيعرف ذلك لكنه يتجاهل ما يعرفه طمعا في الصلاة والطواف والمكوث في الحرم، أما القسم الآخر فينطلق استجابة لبعض المعتقدات التي تعلمها وعرفها في بلاده بأن على الحاج الصلاة في المسجد الحرام في كل الصلوات ولو كان في ذلك إرهاق لنفسه وتحميلها ما لا تطيق. ولو نظرنا إلى واقع المسجد الحرام في مكةالمكرمة من جانب الأرقام لوجدنا أن سعة المسجد الحرام لا تزيد على مليون ونصف هذا إن امتلأ الحرم عن بكرة أبيه، لو أضفنا الساحات الخارجية لوصل الرقم إلى مليونين، مع العلم أن غالبية المصلين لايقصدون الحرم للصلاة فقط بل إن غالبيتهم يريدون الطواف أو تكرار العمرة أو المكوث في المسجد الحرام طيلة الوقت. وفي كل الأحوال فإن استيعابية الحرم لن تسمح باستيعاب الأعداد المتزايدة من الحجاج حيث وصلت إحصائيتهم هذا العام من خارج المملكة وحدها إلى قرابة مليونين، إضافة لمليون ونيف من داخلها وهذا يعني أن الحرم بحاجة لمضاعفة طاقته لاستيعاب الحجاج والزوار بمعنى أن توجه 50 في المائة من الحجاج إلى المسجد الحرام سيحدث أزمة تكدس وأن الأمر بحاجة لوقفة من العلماء والدعاة والمطوفين ورؤساء البعثات لتوعية الحجاج بأن الاعتمار مرة واحدة كافٍ، وأن الصلاة في مساجد مكةالمكرمة تضاعف بمائة ألف تماما كما هي في المسجد الحرام، وأن مزاحمة الناس وإلحاق الضرر بهم يأكل الحسنات التي يجنيها قاصد الحرم. واستشعارا من ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز بأهمية هذا الموضوع وتوعية الحجاج والمعتمرين بضرورة الالتزام به وجه الأمير نايف في نهاية شهر رمضان الماضي من مكةالمكرمة نداء للعلماء أن ينصحوا الناس بالاكتفاء بعمرة واحدة في رمضان، اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأشار ولي العهد إلى أنه في ما يتعلق بالصلاة في الحرم والتزاحم عليها فإن الرسول أتى لمكة يوم الفتح وبقي أسبوعين وكان في الأبطح الذي كان في ذلك الوقت قريبا ولكنه لم يدخل الحرم الشريف إلا مرة واحدة. وأضاف ولي العهد ووزير الداخلية: «يجب أن يعرف الجميع وإخواني العلماء أعلم مني بذلك، أن مكةالمكرمة كلها حرم ومكة تزخر بالمساجد ومن صلى في مسجد من مساجدها فكأنما صلى في بيت الله، إذ إن التزاحم يضر بالطائفين والمصلين، الأمر الذي لا يرضاه أحد وهدفنا أن يؤدي المصلون صلاتهم وطوافهم بسكينة». وزاد الأمير نايف: «يجب أن يعلم من يأتي إلى الحرم الشريف أن هناك إخوانا لهم يريدون أن يأتوا للطواف والصلاة، وإذا صلى فرضا في الحرم فليترك مكانه لأخيه المسلم وخصوصا نحن مكلفون بأن نراعي من يأتي من المسلمين والذين بلغوا هذا العام خمسة ملايين معتمر، ويجب علينا نحن المواطنين أداء عمرة واحدة، وليس بالضرورة تأديتها كل عام، فالله يعبد في أي مكان». «عكاظ» فتحت ملف إصرار الحاج على الصلاة في المسجد الحرام متسائلة عن سبب ذلك واستقصت الآراء الشرعية حيال أجر الصلاة في مساجد مكة وهل تعادل الصلاة في المسجد الحرام، كما تساءلت عن دور الجهات المعنية بالتوعية كالعلماء ورؤساء البعثات والمرشدين الدينيين ومؤسسات الطوافة والشؤون الإسلامية والإعلام ومعهد أبحاث الحج والجهات الأمنية في سياق التحقيق التالي: بداية اختلف رؤساء البعثات حول دورهم في مسألة توعية الحجاج بعدم الإصرار على الصلاة في المسجد الحرام كل الفروض فقسم يرى أنهم يوعون الحجاج لكنهم لا يمكن أن يلزموهم بذلك وقسم آخر يرى من الصعوبة بمكان توعية الحجاج ومساكنهم في محيط الحرم، أما القسم الثالث فيرى أن العلماء يتحملون دور ذلك لأن الأمر شرعي فقهي بحت. صعوبة المنع مساعد وزير الداخلية المصري رئيس الجهاز التنفيذي للحج في جمهورية مصر العربية الدكتور اللواء صلاح هاشم محمد جمعة يؤكد أنه من الصعوبة بمكان الطلب من الحجاج عدم تكرار الصلاة في المسجد الحرام وتكرار العمرة، كوننا نتعامل مع فئات مختلفة من الحجاج أغلبيتهم أميون أو ذوو ثقافة ضعيفة، مشددا على أن برامج التوعية وحدها ليست كافية فلابد من تعاون الحاج في تطبيق الرسائل التي أوصلت إليه في برامج التوعية، وأضاف جمعة نافيا: «لم نبلغ من قبل مؤسسات الطوافة بتوعية الحجاج بعدم الصلاة في المسجد الحرام وكل الحجاج المصريين مقيمون في المنطقة المركزية لذلك من الصعوبة بمكان الطلب من الحجاج الصلاة في المساجد القريبة وترك الصلاة في الحرم». وأشار إلى أن التوعية تكون للحجاج الساكنين بعيدا عن الحرم. لكن وزير الأوقاف والإرشاد اليمني رئيس البعثة الشيخ حمود بن عباد يختلف مع جمعة حيث يشير إلى أن بعثات الحج تستطيع توعية حجاجها بالصلاة في المساجد القريبة من مساكنهم حتى ولو كانوا ساكنين قريبا من المسجد الحرام لأن هناك مساجد كثيرة تحيط بالمسجد الحرام وأجر الصلاة فيها يوازي أجر الصلاة في المسجد الحرام وهو ما قاله كثيرون من العلماء والفقهاء بأن شد الرحال يكون للحرم الذي لا يقتصر على المسجد الحرام وإنما حدود مكة الشرعية كلها. ولفت ابن عباد إلى أن العبرة في الحج أن يكون بأداء أركانه وواجباته كالوقوف في عرفة والمبيت في مزدلفة ومنى ورمي الجمار وأداء طواف الإفاضة والوادع، مشيرا إلى أن بعثة الحج اليمنية توعي حجاجها بعدم مزاحمة الناس والتكدس في المسجد الحرام، لكن ابن عباد يبرر لمن يصر على الصلاة في المسجد الحرام أنه يجد الراحة والاطمئنان وأنه قطع آلاف الكيلومترات من أجل رؤية الكعبة لذلك فهو يصر على الصلاة ولا يلتفت لبرامج التوعية. تنظيم النزول ويطرح رئيس البعثة المغربية الدكتور أحمد القسطاس اقتراحا بتنظيم النزول إلى الحرم خصوصا في أوقات الحج وذلك عبر تنظيمها بين مؤسسات الطوافة، مشيرا إلى أن البعثة تقوم بدورها في التوعية لكن لا يمكن أن تلزم الحاج بعدم أداء الصلوات في الحرم وتكرار العمرة. ويختلف مدير هيئة رعاية شؤون الحج في لبنان رئيس البعثة إبراهيم العيتاني مع رؤى سابقيه، مؤكدا أن البعثات لو نظمت حجاجها لما حصل التكدس في المسجد الحرام، مستدلا بأن الحجاج اللبنانيين يصلون في الحرم ويؤدون العمرة لكنهم يختارون الأوقات التي لا تشهد كثافة وإقبالا خصوصا في الفترة من بعد صلاة العصر وحتى الساعة 12 ليلا إضافة لحرصهم على أداء صلاة الجمعة فقط، ويؤكد العيتاني على أنهم شددوا على حجاجهم بعدم النزول نهائيا للحرم في أوقات الذروة واتبعوا في ذلك برامج توعية مبكرة وأرشدوهم إلى أن أجر الصلاة في مساجد مكة كأجرها في الحرم. طبيعة الشعوب بينما يرى رئيس بعثة الحج الكويتية الشيخ رومي مطر رومي أن التزام الحجاج متفاوت بحسب طبيعة الشعوب فهناك شعوب لا تزور الأراضي المقدسة إلا مرة واحدة في العمر بينما يستطيع حجاج آخرون تكرار الزيارة والعمرة. ويعترف المرشد الديني لحجاج جنوب آسيا الشيخ جيلاني بصعوبة توعية حجاج طاعنين في السن أميين ضعيفي الثقافة الدينية، مشيرا إلى أن الكثير من الحجاج يمنون النفس برؤية الكعبة المشرفة والبقاء في المسجد الحرام فهو الحلم الذي أفنى حياته كلها من أجل تحقيقه، مؤكدا على أن هناك برامج توعوية للحجاج بأن الصلاة في مساجد مكة مضاعفة الأجر كالمسجد الحرام وأن عمرة واحدة كافية لكن نسبة الاستجابة ليست كما ينبغي، مقترحا بتنظيم النزول إلى الحرم بين مؤسسات الطوافة على غرار التفويج لتنظيم المسألة في ظل تنامي أعداد الحجيج وعدم توسعة الحرم لهم. محاضر ملزمة بدورهم أبلغ المطوفون «عكاظ» أنهم ضمنوا المحاضر التي وقعت مع بعثات الدول بنودا تخص توعيتهم بعدم ازدحامهم عند أداء الصلوات، والصلاة في كل مساجد مكة وعدم قصر الصلوات في المسجد الحرام فالأجر مضاعف في مكة كلها. وهو ما أشار إليه رئيس الهيئة التنسيقية لمؤسسات أرباب الطوائف رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية المطوف فائق بن محمد بياري، مبينا أن مؤسسات الطوافة وقعت محاضر مع الدول بضرورة الالتزام بالأنظمة والتعليمات ومنها مراعاة رغبات الحجاج وتوعيتهم، والالتزام بمواعيد النقل وخطط التفويج وذلك عند الإسكان في المخيمات في المشاعر وعدم ازدحامهم عند أداء الصلوات، والصلاة في كل مساجد مكة وعدم القصر على الصلوات في المسجد الحرام. ويشاركه الرأى نائب رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية السابق المطوف المهندس طلال بن حسين محضر مشيرا إلى أن مهمة المطوف التأكيد على ما قاله العلماء بأن مكة كلها حرم والصلاة في كل مكان فيها مضاعفة، مبينا أن الاستجابة تتراوح بين الحجاج، وعاد محضر للتأكيد بأن التوعية هي الأهم في المسألة. ويشير رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج دول جنوب شرق آسيا زهير سدايو أن الاستجابة للنزول للحرم متوقفة على قرب وبعد السكن من الحرم، مشيرا إلى أن الحجاج الذين يسكنون قرب الحرم لن يستجيبوا لدعوات عدم الصلاة في المسجد الحرام خصوصا إذا كانت تلك هي الزيارة الأولى للحاج إلى الأراضي المقدسة، بينما إذا كان سكن الحجاج بعيدا عن الحرم فعندها يمكن للحاج أن يستجيب ويصلي في المساجد المحيطة مثل العزيزية، شارع المنصور وغيرها، ولفت سدايو إلى أن حجاج جنوب شرق آسيا يعملون برامج توعوية قبل وصول الحجاج إلى مكةالمكرمة بستة أشهر وهم يستجيبون لبرامج التوعية ويلتزمون بها. توعية غير مجدية ويختلف نائب رئيس المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج جنوب آسيا الدكتور رشاد حسين مع آراء من سبقوه من المطوفين بأن برامج التوعية هي الحل قائلا: «للأسف لا نجد لبرامج التوعية صدى عند جميع الحجاج»، مؤكدا أن وعي الحجاج يختلف بحسب دولهم، مشيرا إلى أن توعية الحجاج بعد وصولهم بأن التكدس والحرص على الصلاة في المسجد الحرام أمور غير مجدية فالحاج ليس لديه استعداد نفسي لاستقبال أي معلومة وبعضهم يتبع بعض المعتقدات الخاطئة بأن جحته لا تتم إلا بالصلاة في المسجد الحرام، مؤكدا على أن هذا الأمر وظيفة بعثات الدول والعلماء في بلدانهم لتوعيتهم. وهنا يؤكد مستشار وزير الحج المشرف على برامج التوعية والتوجيه الشيخ أحمد الحريبي أن الوزارة طالبت بعثات الحج بتوعية الحجاج ممن يحرصون على التنطع في الحج، ولاحظ الحريبي أن الكثير من الحجاج يعمدون إلى الذهاب للمسجد الحرام في كل صلاة وهو أمر مخالف لهدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عندما سكن في منطقة البطحاء البعيدة عن الحرم حوالى (2) كليو والتي تعرف حاليا بالمعابدة ولم يذهب للحرم بعد الحج إلا عند قيامه بطواف الوداع، وأضاف الحريبي: «لحكمة أرادها الله وكأن الرسول يعلم ماذا سيكون عليه الحج بعد مئات السنين من ازدحام لذلك فقد سن سنة حسنة عندما سكن بعيدا عن الحرم ولم يذهب لكل صلاة، مؤكدا أن الكثير من الحجاج يذهبون إلى كل صلاة وفي ذلك مشقة عليهم وتضييق على باقي المسلمين في الحرم وتعريض أنفسهم والآخرين للخطر. أدوار مختلفة ودافع مستشار وزير الشؤون الإسلامية لشؤون الحج والعمرة المشرف على برامج التوعية في الحج الشيخ طلال العقيل عن دور الوزارة مبينا أن دعاة الوزارة يؤكدون على الحجاج بضرورة التزام الهدوء والسكينة وأن الصلاة مضاعفة في كل حدود الحرم وأن عمرة واحدة كافية وذلك لإتاحة المجال لبقية الحجاج في الحرم المكي. ويرفض المستشار المشرف على التلفزيون السعودي عبدالرحمن الهزاع أن يكون هناك قصور من قبل وسائل الإعلام المحلية، مؤكدا أن جميع وسائل الإعلام تستضيف العلماء والفقهاء طيلة فترة الحج وتكثف البرامج التوعوية وتؤكد على الحجاج بضرورة البعد عن التكدس والازدحام وبيان فضل الصلاة في مساجد مكةالمكرمة وأن توعية الحجاج ومناصحتهم في المسائل الشرعية يتحملها علماؤهم ووسائل إعلامهم. ويبين المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة الدكتور خالد المرغلاني أن التزام الحجيج بالقواعد الصحية سيكون له أثر في ابتعادهم عن أماكن التجمعات واتباع الرخص الشرعية ومن ذلك عدم التزاحم في المسجد الحرام للصلاة وتكرار العمرة، مشددا على أن برامج التوعية الصحية هي مساندة للآراء الشرعية بضرورة أن يبتعد الحجاج عن أماكن الازدحام ومتى ما عرف الحاج أجر الصلاة في مساجد مكة وكان لديه ثقافة صحيحة بذلك فإنه سيتجنب النزول للحرم في أوقات الذروة، مطالبا العلماء بتكثيف التوعية في هذا المجال. دراسات علمية وهنا كشف أمين العاصمة المقدسة العميد الأسبق لمعاهد أبحاث الحج الدكتور أسامة البار عن وجود دراسة أجراها المعهد للتوسع في بناء المساجد في مداخل مكة وتوسعتها للتخفيف عن المسجد الحرام في ظل ازدياد أعداد الحجيج، مشيرا إلى أن هناك عدة توصيات في هذا المجال منها دور العلماء في بيان أجر الصلاة داخل الحرم. ويؤكد العميد الحالي لمعهد أبحاث الحج الدكتور عبدالعزيز سروجي على كلام البار، مشيرا إلى أن توزيع مساكن الحجاج في أحياء مكة هدفه التخفيف على المسجد الحرام ومنع تكدس الحجاج، لكن سروجي حمل البعثات والعلماء المسؤولية بضرورة توعية الحجاج. ورحب سروجي بدراسة مقترح جدولة ذهاب الحجاج للحرم بحيث يتيسر منع التكدس، وقال: «يمكن أن تدرس كفكرة ومقترح شريطة أن يتم تبنيها من قبل مؤسسات الطوافة وبعثات الحج ووزارة الحج»، مشيرا إلى أنه لا يمكن أيضا منع الحاج من الذهاب إلى الحرم لكن بالتنظيم والترتيب وبمنع التكدس في الحرم يتيسر تخفيف الازدحام، ويشير سروجي إلى أن الدراسة ستحدد مدى استجابة الحجاج وثقافتهم وقناعتهم بهذه الجدولة، فالموضوع فيه تحدٍ كبير فالحجاج عناصر متغيرة ولابد من وضع حلول دقيقة تراعي كل المعطيات وتخرج بحج آمن يلبي رغبات الحجيج، مؤكدا أنه على العلماء ضرورة توعية الحجاج. رؤية العلماء ودافع العلماء عن أنفسهم، مجمعين على أن أجر الصلاة في مساجد مكةالمكرمة مضاعف كما هو في المسجد الحرام. مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ قال: «الصلاة في كل المساجد داخل حدود الحرم مضاعفة الأجر كما في المسجد الحرام»، وبين أن العمرة مستحبة، موضحا أنه في حال ترتب على تكرار العمرة مضرة للنفس وإيذاء للآخرين فالأولى تركها داعيا الحجاج إلى ضرورة عدم مزاحمة الناس والصلاة في مساجد مكةالمكرمة. وهو ما أكد عليه المستشار في الديوان الملكي عضو هئية كبار العلماء الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع الذي أوضح أن المقصود من الحرم كل ماهو داخل أعلام مكةالمكرمة المحددة شرعا، فكل مكة حرم طالما داخل الحدود والصلاة في مساجدها مضاعفة كالمسجد الحرام، لكن المنيع عاد ليستدرك قائلا: «الصلاة في المسجد الحرام أفضل ولكن ليس من ناحية المضاعفة والأجر لأنها عامة لكل مساجد مكة»، مطالبا الحجاج بضرورة مراعاة الآخرين وعدم إيذائهم بالحرص على أداء كل الصلوات في الحرم، وتكرار العمرة لغير حاجة. ويشدد عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء الدكتور علي بن عباس الحكمي على أن الراجح من أقوال العلماء أن الصلاة في كل مساجد مكة مضاعفة، مستدلا بقوله تعالى «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى» والمقصود بالمسجد الحرام هنا مكةالمكرمة، ورغم اعتراف الحكمي بأفضلية الصلاة في الحرم كون الجماعة أكبر لكنه يرى أن الإصرار في أوقات الذروة على الصلاة في المسجد الحرام وأداء العمرة قد يلحق الأذى بالآخرين والمضرة بهم فقد يأثم بسببها أكثر مما يتحصل من الأجر، ناصحا الحجاج والمعتمرين بأداء الصلوات في مساجد مكةالمكرمة، مشيرا إلى أن الله قد يعطي الحاج أجره كاملا على نيته، مستشهدا بقوله عليه الصلاة والسلام: «من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه وأبقى»، وحمل الحكمي الجميع مسؤولية توعية الحجاج بذلك ومنهم العلماء والمفتون في الدول الإسلامية ومرشدو البعثات والمطوفون والإعلام وأئمة المساجد إضافة لإدراك الحاج نفسه، مطالبا أهل العلم بتوعية الحجاج بهذه الأمور حينما ينوون الذهاب للحج، مؤكدا على أن مسؤولية التوعية مشتركة وكل جزء منها يكمل الآخر. فقه التيسير ويؤكد نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عضو المجامع الفقهية وزير العدل الموريتاني السابق الدكتور عبدالله بن بيه أن التخفيف عن الحرم أمر مطلوب شرعا، مؤكدا أن مكة كلها حرم وفق رأي مجموعة كبيرة من العلماء لأن الله سماها مسجدا، وأكد ابن بيه على رأي الحكمي بأن من نوى فعل طاعة ولم يفعلها فقد ينال أجرها وذلك في إشارة لعدم الذهاب للصلاة في المسجد الحرام لتجنب التضييق على الآخرين، وبين ابن بيه أن المسألة تتعلق بفقه التيسير فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا»، ومن باب قوله تعالى: «ماجعل عليكم في الدين من حرج»، مشددا على أن هذه المعاني لو فهمها الحاج ووعاها فإنه لن يضيق على الآخرين وسيصلي في أي مساجد مكةالمكرمة، ولفت ابن بيه إلى أن تكرار العمرة إذا لم يترتب عليه التضييق على الآخرين فلا شيء فيه. ويرى أمين الفتوى في سوريا الدكتور علاء الدين الزعتري أن توعية الحجاج هي الحل الأمثل للتخفيف على الحرم، وقال: «متى علم الحاج أنه لا يصلي من أجل الكعبة وإنما يصلي من أجل الله وأن الصلاة مضاعفة في كل مساجد مكة فإنه لن يزاحم الناس بأداء كل الصلوات في الحرم، وأشار الزعتري إلى أن الحج في تعريفه هو القصد للمعظم والمعظم هو الحرم قال تعالى: «أو لم نمكن لهم حرما آمنا»، فالمقصود من الحرم في الآية هو الأوسع بنيانا وعمرانا وليس فقط الكعبة.. ودعا الزعتري أمناء الحج ومرشدي البعثات والعلماء بأن يذكروا الحجيج بأن مكة كلها حرم، ومن يريد الأجر والمثوبة فليرحم إخوانه المسلمين، مؤكدا أن صلاتنا بمزاحمة الآخرين حرام فلا يعقل أن نطيع الله بإيذاء بعضنا، مطالبا العلماء باستمرار التوعية لأجل أن نحظى بحج مقبول وآمن وسليم.