تحل علينا، بعد أيام، السنة الهجرية الجديدة 1433ه، التي نسال الله جلت قدرته أن يجعلها سنة جلاء حزن، وذهاب هم، وخير وبركة، على الأمة العربية والإسلامية، والعالم أجمع. وكل عام وأنتم بخير. وتكاد هذه السنة تتزامن مع العام الميلادي الجديد 2012م، الذي سيستقبله العالم قريبا. والفرق بين التقويمين هذه المرة هو 35 يوما... أي أن السنة الهجرية تسبق الميلادية ب 35 يوما فقط. وفي هذه المناسبة السنوية (رأس السنة) تكثر التنبؤات، بما قد يحدث في السنة الحالة. وتتزايد كما هو معروف عمليات استقراء الواقع الراهن، واتجاهاته المستقبلية. إن القراءة الموضوعية للمقبل في المدى المنظور، في مجال السلوك الإنساني بعامة، والسياسي منه على وجه الخصوص، هي تلك التي تعتمد على فهم موضوعي عميق ل «ما هو كائن» ... وتستند إلى ذلك الفهم في التكهن ب «ما سيكون» ، في قضايا كبرى معينة. وإن التزمت أصول الموضوعية والتجرد، فإنها ولاشك ترقى عن مستوى صحة تنبؤات المشعوذين والمنجمين، الذين تتكاثر أيضا رؤاهم الآن. إذ تعج وسائل الإعلام، في هذه الأيام، بجردات حساب عن ما جرى في العام الفارط، وتزخر بتنبؤات لا حصر لها. ولكن، حتى التنبؤ العلمي المرتكز على منهجية علمية راسخة في مجال السياسة، صعب جدا... ولا تنتج عنه في أكثر الأحيان استنتاجات دقيقة... ناهيك عن التكهن الصحافي العابر في ميدان السياسة المعقد. وقد قيل: إن التنبؤ بأحوال الطقس المتقلب، في أي جهة من العالم، أهون من التنبؤ بتقلبات السياسة العالمية والإقليمية. لذا، فإن أي توقع في هذا الشأن يجب أن يؤخذ بحذر، ويعتبر مجرد تكهنات، قد تصيب وقد تخطىء. ومع كل هذه العوائق، يمكن لأى شخص راشد عاقل أن يجرب التنبؤ في السياسة، وليكن ما يكون. فالسياسة هي أمر يمارسه «كل» الناس، فكرا وسلوكا وتحليلا. لقد شهدت الساحة السياسية العربية في العام 1432ه (2011 م) زلزالا مهولا، ومرت بتطورات سياسية هائلة، وغير مسبوقة... تمثلت في ما عرف ب «الربيع العربي» . ومن المتوقع أن ينشغل العالم العربي، والعالم معه، بأحداث وتطورات هذا «الربيع» ، ويطغى الاهتمام به على الاهتمامات العربية الكبرى الأخرى. فالعام 1433ه سيكون في الغالب هو عام تبلور ذلك الربيع، وبداية مرحلة تمخضه عما سيتمخض عنه. ومن أهم ما سيتمخض عنه هو: الرفض الشعبي العربي التام لنوعية الأنظمة (الجمهورية) التي كانت سائدة فبل ذلك الربيع. أما على الساحة العالمية، فستظل القضايا الكبرى كما هي بصفة عامة مع تزايد الاهتمام الغربي والعالمي بالأمور الاقتصادية والمالية... خشية التدهور المعيشي والإفلاس. وبعض القضايا الأخرى ستظل معلقة.. * * * * يهمنا أولا بالطبع معرفة ماذا سوف يحصل لعالمنا العربي والإسلامى، بصفة خاصة، في هذه السنة التي تهل على الدنيا وقد بلغ عدد سكانها سبعة بلايين إنسان. ولعلنا إن اعتبرنا أغلب العرب والمسلمين من العالم النامي نأمل أولا أن يخف «نحس» العالم النامي، المتمثل فيما يعرف ب «التخلف» . فمنذ عقود، يتطور «الشمال» (العالمين الأول والثاني إن صح الوصف) في كل المجالات ويتقدم من حسن لأحسن... بينما غالب «الجنوب» (العالم الثالث/ النامي) ينتقل من سيئ لأسوأ... حتى أغلب الكوارث الطبيعية تتقصد كما يبدو «الجنوب» أكثر... فتتخطى «الشمال» الغني والمرفه، لتصيب الجنوب المسكين... فتزيد بؤسه وتعاسته (قدر الله، وما شاء فعل، ولله في خلقه شؤون). وإننى ربما بحكم تخصصي العلمي أميل إلى رد ما فيه معظم الجنوب من علل وبؤس (بصفة عامة) إلى سوء سياسته وفساد إدارته، كمسبب أول. فهل سيبدأ النائمون (أو النامون) بكسر طوق ذلك النحس، وتعديل السياسات الخاطئة، اعتبارا من هذا العام ؟! لا أظن. وتلك هي أبرز تنبؤاتي. فالغرب المتسلط، والقوى المحلية ذات المصالح الخاصة، المتحالفة معه، مازالت في موقع أقوى.. ويلاحظ وضع «السياسة» أولا. والبعض يقول: بأن التعليم (مثلا) هو أهم عامل للتنمية، وليس «السياسة» كما أزعم. فإن تغير التعليم وتطور تتغير الحياة، وتتحسن. هذا صحيح، إذا تجاهلنا «العوامل» الأخرى. فمع الأهمية الحاسمة للتعليم وقبله الصحة إلا أن السياسة يمكن أن توفر تعليما جيدا، ويمكن أن تفعل العكس، أو حتى تكرس الجهل. من هنا تأتى أهمية السياسة... لتصبح الأهم... أو أهم «عامل» في تطور الحياة العامة للبشر. ولهذا، تصبح الأحداث والأوضاع السياسية في المقدمة... لما لها من تبعات، وانعكاسات (إيجابية وسلبية) على كل مناحي الحياة الأخرى. ولهذا الحديث صلة. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 121 مسافة ثم الرسالة