«البقرة انقهرت حاحا، في القهر انصهرت حاحا، وقعت في البير حاحا، سألوا النواطير حاحا، طب وقعت ليه حاحا، وقعت من الخوف حاحا، والخوف بيجي ليه حاحا، من عدم الشوف».. أحمد فؤاد نجم. قبل أن أخط حرفا لي في هذا المقال، يجب أن أعترف أنني أحب مصر، لن أتحدث هنا عن الأسباب التي تجعلني أميس مع مصر ميسا روحيا، لكن الخلاصة هي أنني أحب مصر والسلام. بعد فرقعات مصر السياسية الأخيرة لم تعد مصر خائفة، صارت مخيفة، وهذا هو الاكتمال بعينه. جعلتنا مصر نطالع الشاشات في انتشاء لا يتوقف، وأعطت المحررين مجالا واسعا لتسويد الصفحات الكبار، حتى العوام أهدتهم مصر أحاديث يثرثرون عنها بلا توقف أيضا. حماس الفلول، تصفيق الشعب، الصراخ الذي يضيع مع خنق الدموع، عبارات شبيهة ب «ما فيش أحسن مننا»، و «ما تسيبوا الألاطة دي وتسيبونا بحالنا كمان»، الرقص غير المنسق، كل بروتوكولات الشارع تلك تجعل أمر مصر على رأس القائمة أهمية وجاذبية. يبدو التلاحم والتلاصق الشعوبي المصري على اختلاف طوائفه ومشاربه في حركة جريان واحدة، تلك الأوقات التي سبقت الإطاحة بمبارك، يصرع منهم عددا لا بأس به يشكلون جسرا آدميا ميتا لوصول مصر إلى بغيتها، يتساءل الجميع مع المفتين هل سيكونون في عداد الشهداء؟، أرجو ذلك ولو كان هذا صحيحا فإن الثورة قد قدمت لهم خدمة أخروية عظمى. انهزام النظام الحاكم ودخوله جماعيا مهانا في ما يشبه السقالة التأديبية يرينا أن شرط العدل الكوني يتحقق، من المسلي حقا أن تعرف أنك تمسك في يدك بمفتاح حياة النظام القديم وموته وتراقبه حتى توشك روحه على الخروج من أنفه، ويأتي أهل الصحافة للتفرج على مخازيه ونقلها للعالم أجمع، هنا فقط تتعالى الضحكات والهتافات سخرية منه ومن كل شيء كان، ويبدو وجهه ممتعضا كسيحا كأنه يحمل سبة بذيئة لم يقلها، لكن المصريين قد قالوا إنهم لن يضايقوه كثيرا على كل حال. بعد هذا الجهد كله يصعب أن أصف الأمر في ماسبيرو، لكنه كفيل بأن يصيب المرء بذهول مطبق دعك من أن أحدا لن يصدق لو دون هذا تاريخيا فيما بعد. يصعب أن نصف مشادات الطوائف وخفوت حركة رعيل المثقفين المتوجب عليهم أن يفتحوا أفواههم وألا يعتادوا إقفالها الآن بالذات. يصعب أيضا أن نصف حكر البلطجية لحركة الشارع في مصر ونشاط أسلوب السعي الدائم لفرد عضلات قوم على قوم، ولعل رغبة البعض في إبهار العالم قد غلبت حاسة الحذر لديه فقام يبصق ويضرب ويلعن ويردد في تمطق: «سيبونا نضرب ونتكلم، سيبونا نتفرج على جروحنا ونتعلم». ورغم هذا الجهد الثوري الحقيقي الذي استنزف دما وعرقا ونشاطا نجد أن الوعود يتم تأخيرها بشكل مقصود، يذكرنا بأن التصفية بمصر لم تكن شاملة، كان من الأوفق أن يعالج الأمر بحكمة القرون، لكن لا يزال خلف الطاولات المصرية عدد لا بأس به من الأوغاد المشدودين دائما إلى الوراء وإلى إعادة جزء من الإرث الحاكم القديم. هذه التفاصيل بالطبع ليست من بجاحة الثورة، لكن سببها العوج عن الهدف الحقيقي لها فيما بعد. لن أكرر أنني أحبك يا مصر فبعض الكلام تنتهي صلاحيته من كثرة الاستعمال، لكن ليس علينا سوى تأمل القلق والتوتر المصري حتى النهاية، وندعو الله ألا تصير مصر مثل بقرة حاحا وتسقط مرة أخرى في البئر السياسية القذرة. [email protected]