تتناقل المجتمعات مشكلاتها، كما تتناقل أمواج البحر بقع الزيت الناجمة عن سفينة نفط منكوبة، وتذكّرنا مطالبتنا بتغيير عاداتنا الغذائية لمسايرة ارتفاع الأسعار، وجشع السوق بمطالبة الشعب المصري الشقيق بتغيير اللَّحمة بالفول، الموثقة بتصريح الدكتور محسن في رائعة سفير الفقراء محمد فؤاد نجم (عن موضوع الفول واللّحمة) حين قال: (عن موضوع الفول واللّحمة صرح مصدر بيه مسؤول، أن الطب تقدّم جدًّا، والدكتور محسن بيقول، إن الشعب المصري خصوصًا من مصلحته يقرقش فول، حيث الفول المصري عمومًا يجعل من البني آدم غولاً، تأكل فخده في ربع زكيبة، والدكتور محسن مسؤول، يدّيك طاقة وقوة عجيبة تسمن جدًّا تبقى مهول)، وإصرارًا على إقناع الشعب بفضل الفول على اللَّحمة كان ينبغي أن تشمل العملية أدلة علمية، وبُعدًا أيديولوجيًّا، لكيلا يفر من الحملة ضد اللَّحمة أحد أيًّا كانت أولوياته، فقال: (ثم أضاف الدكتور محسن إن اللَّحمة دي سم أكيد، بتزود أوجاع المعدة، وتعوّد على طولة الإيد، وتنيّم بني آدم أكتر، وتفرقع منه المواعيد، واللي بياكلوا اللَّحمة عمومًا ح يخشّوا جهنم تأبيد)، ويبدو أن الأمواج نقلت بقعة الزيت، فنازعت الشعوب العربية الشعب المصري خصوصيته، ولم يعد معنيًّا بأمر الفول وحده، بل إن كثيرًا من الشعوب بات من مصلحتها (قرقشة الفول)، وحين يمضي الشاعر الكبير مقارعًا الحجج العلمية بالحاجة الشعبية قائلاً نيابة عن ميدان التحرير: يا دكتور محسن.. يا مزقلط.. يا مصدر.. يا غير مسؤول، حيث إن انتو عقول العالم، والعالم محتاج لعقول، ما رأي جنابك وجنابهم فيه واحد مجنون بيقول، احنا سيبونا نموت باللَّحمة، وانتو تعيشوا تاكلوا الفول، ما رأيك يا دكتور محسن مش بالذمة كلام معقول؟!) فإنه يمثل التوجّه الثائر في وجه الغلاء، واستئثار الطبقات العليا بالبروتين النفيس، إلاّ أن الشعوب ليست بالضرورة شعراء ثورة، وليس بالضرورة لديهم توجه للمجادلة، بل إن كثيرًا من الشعوب ستستجيب مقتنعة، أو مسايرة لما تفرضه الأزمات، وربما لا يتجاوز حلمها أن يبقى البديل المقترح هو الفول، وتفرض على أسعاره حماية وحصانة، فلا يرتفع سعره ويشاق الشعب (بفوله)؛ لأنه صار عادة غذائية تستهلك الفول، وتزيد من الطلب عليه، فيشح في الأسواق، ويُباع في سوق الذهب، ثم يطالب مدمني الفول بما دون الفول. [email protected]