إذا غنّت مصر، ينادي المدى: سمع هوووس الست بتغني! فلا يملك العالم إلاّ أن يتمدد، ويتوسد ذراعه على (شط النِّيل) يتلمظ المواويل، و(يقزقز) الترمس، ولم تردد مصر موالاً على مر التاريخ، ولم تضج الأمم (الله يا ست)، ومواويل مصر بسيطة كفطيرها (المشلتت)، حُمّرت على صاج الصبر، وغُمست بالمعاناة و(الشربات)، ولو لم تخترع الآلات الموسيقية لكانت هي النوتة، والتقاسيم، والسميفونيات. منذ ألم قديم، في مسرح الهمّ العريض، ردد عمالقة مصر أغنيات كادحة، تشمّر عن ذراعيها، وتتناول الفأس، وتحرث في (غيط) الأمل، فيسأل الشيخ إمام عن (حاحا، وبقرة حاحا): والبقرة حلوب، حاحا، تحلب قنطار، حاحا، لكن مسلوب، حاحا، من أهل الدار، حاحا، والدار بصحاب، حاحا، واحد عشر باب، حاحا، غير السراديب، حاحا، وجحور الديب، حاحا، فتقاطعه الأسئلة: البحر بيضحك ليه وأنا نازلة اتدلع أملا القلل؟ البحر غضبان ما بيضحكش، أصل الحكاية ما تضحكش، البحر جرحه ما بيدبلش وجرحنا ولا عمره دبل، ليجيب السيد درويش: شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك.. لا بد عن يوم برده يعدلها سيدك، الصبح صبح قلسطة والعيشة هتبقى قشطة، فيتململ الحجار من طول الانتظار: آدي اللي صار وآدي اللي كان ما لكش حق تلوم عليا، ويستمر غناء الست: بيني وبينك سور ورا سور.. وأنا لا مارد ولا عصفور!! في إيدي ناي والناي مكسور.. وصبحت أنا في العشق مثل، والبحر بيضحك ليه وأنا نازلة اتدلع أملا القلل.. وحقًّا البحر بيضحك ليه؟! إن لم تتدلل مصر فلن يتدلل أحد، يضحك سيد درويش: يا دنيا روقي جتك البين، فلا تجد بدًّا من أن تروق لتمنح منير شرفة مكللة بالفل والياسمين، ليأخذ مصر في الأحضان (حتة حتة): قناسوهاجالإسماعيلية، بنت الصعايدة بحرية، الأقصر غزاله محَنّيَة، في إسكندرية ترسّينا، وأنا رشيدي ودمياطي، وآخدك يا منصورة في باطي، واغني وارقص سنباطي، قبل القمر ما ينسينا. وبعد يا ست، سنقعد يا منيا على الدكة والشاي يا واسطة في السكة، توصل بني سويف الضحكة، نلاقي أسيوط وسطينا، نحن على مقهى قشتمر ننتظر معك يا مصر الحبيبة وننصت لمواويل الأمل. [email protected]