ولأننا في الزمن الصعب حيث يموج العالم من حولنا كيانات سياسية ومجتمعات باضطرابات وسفك دماء وعتمة أنظمة تتخبط في وضح النهار، ولأن الهم الكبير لدينا اليوم هو ما يكتنفه المستقبل من مدلولات لا نقبل أن تدخل حساباتنا بالمجاهيل، وإنما بالمنطق المعتمد على أسانيد ومعطيات واضحة. ولأن المهتمين برصد حركة الكيانات والمجتمعات وتحولاتها لا يعتمدون الشعارات كمقياس في قراءة الغد، فقد آن لنا أن نلتقط قفاز التحدي بعقلانية ومنطق سليم في تبصر واقعنا وكتابة مستقبلنا. هاجس الغد إذن غدا أساسيا في صياغة أولويات التفكير والتخطيط لدى صاحب القرار في أعلى هرم القيادة، إن في التعامل مع الأوضاع الحالية وسط خضم التحديات الكبيرة، وفي مقدمتها الأمن والاستقرار الدائمان اللذان يستدعيان المحافظة على المكتسبات، والتقويم الدائم لعملية البناء، أو ديمومة المنجز. ولأن الغد الآمن يستدعي المحافظة على متانة الكيان ووحدته، يأتي مفهوم الدولة وقوتها وهيبتها وقدرتها على الاستمرار في ذات النهج الذي تأسس عليه الكيان مع الأخذ بالعصرية والمنهاج الحضاري والمحافظة على ثوابت المجتمع والأمة، رجح عبد الله بن عبد العزيز مثقال الحكمة في وزن الأمور واتخاذ القرار في اختيار عضده الأيمن لولاية العهد متوكلا على الله، مستندا إلى ثقة شعبه في رؤاه، وبنى ذلك الاختيار على سيرة ثرية لنايف بن عبد العزيز في الإدارة السيادية والأمنية والسياسية، فضلا عن عقلانية تعي قيمة الدولة والوحدة والوطنية، وهي مسألة اعتبرها الروائي العالمي غابرييل جارسيا ماركيز «أقوى من كل حجج العالم». بل زاد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج واشنطن على ذلك وربط بين عرى الوحدة الوطنية واستتباب الأمن والشعور بالأمان، ودعمته رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر بالتشديد على أن «ترسيخ القيادة للوحدة الوطنية والعمل بمقتضياتها يقطع الطريق على من يتربص الدوائر بالوطن ليمزقه، وبالبلد ليفجره». هذه المفاهيم بأبعادها الواسعة إنما تمثل على الأرض نقاط ارتكاز مهمة في تحديات المملكة يلتقي فيها الملك وولي عهده الجديد، وعلى أساسها تنامت ثقة خادم الحرمين في من اختاره ساعدا أيمن متمكنا، عاقلا، وصاحب رؤية ثاقبة عملية، والصقر إنما يتفرد من عل بحدة النظر وبعده. بل لن نذهب بعيدا حين نقر بأن اختيار الملك للأمير نايف وليا للعهد يحمل بعدا حضاريا بارزا في مؤسسة الحكم، لأن الغرض هو جلب المصالح التي تقتضيها مقدرات الدولة من منظور سيادتها ومواطنها بوصفه المستهدف بالعملية السياسية والتنموية.