حتى وإن رحل سلطان، فخير سلطان باق في كل حدب وصوب، فالفقيد الراحل كان سحابة خير تمطر ويعم خيرها أينما حلت، تلك المعاني يجسدها أهالي قرى الساحل بدءا من الليث ومرورا بقرى وهجر القنفذة وصولا إلى عمق والبرك والقحمة. قبل سنوات كان أهالي تلك القرى والهجر يحلمون ويتطلعون إلى وضع أفضل لأحوالهم ومعيشتهم يركضون خلف لقمة العيش. هؤلاء البسطاء في بوادي تلك المنطقة وما جاورها استيقظوا يوما، ووجدوا أحلامهم بجوارهم تتحول إلى حقيقة وواقع ملموس يزيل كل معاناتهم ويترجم آمالهم إلى مشاريع وخدمات تنهض بأحوالهم. كانت استجابة الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز أسرع من صدى أصواتهم، حيث أمر يرحمه الله بإقامة عدة مشاريع خيرية على نفقته، ليضيف بإنسانيته بعدا جديدا في حلقة التلاحم بين أبناء الوطن وقادتهم. وللتنفيذ الفوري تكونت لجنة للإشراف على المشروع الخيري الذي تبناه الفقيد، ولم تمض أيام حتى تحركت السواعد تخطط وتضع قواعد وأساسات النهوض بهذه القرى والهجر. وعلى بعد 40 كيلومترا من مركز البرك، وبالرغم من أن عدد سكانها لا يتجاوز حينها 30 ألف نسمة، يعيشون في مواقع متناثرة، إلا سلطان الخير وجه بالتعجيل بوصول الخدمات إليها. وكانت حينها فرحة الأهالي بهذه المكرمة من سموه لا توصف وهم يروون كيف صارت أحلامهم واقعا ملموسا على أرض الخير والعطاء التي زرعها حبا وانتماء أبناء عبدالعزيز البررة. وما أن وصلت اللجنة المشرفة على تنفيذ ومتابعة المشروع أرض البرك حتى خرج الأهالي إليها كل يعبر عن فرحته وسروره ولسانه يلهج بالدعاء للأمير سلطان وإنسانيته وكرمه. المواطن الصبيح من أهالي بادية البرك وصف حال منطقته قبل إنشاء مشاريع سلطان الخير قائلا، إنه بسبب بعد المسافة بين القرى ووعورة الطريق كان بعض المرضى يلقون حتفهم أثناء نقلهم إلى أقرب مستشفى في مركز البرك، وكان كثيرا ما تجهض النساء الحوامل قبل وصولهن إلى المستشفى للعلاج والولادة، مضيفا كذلك الحال بالنسبة للمياه فنحن نعيش على الآبار التي تبعد مسافات كبيرة بين القرى والهجر، ما يكبدنا الكثير من العناء والمشقة، إلا أن الوضع تغير على يد فقيد الوطن نهوضا بالمنطقة، وخصوصا المستوصفات والكهرباء والسفلتة. وقال المواطن بشر، عندما كنا نريد التنقل من مكان لآخر نواجه صعوبات جمة مع الطرق الوعرة والبعيدة عن العمران، وأذكر أنه قد تم جمع بعض التبرعات من الأهالي لبناء مسجد ولكن البعد عن العمران أعاقنا في جلب الاحتياجات ومستلزمات البناء وكنا حينها نشعر بأننا معزولون عن مناطق الخدمات التي تجاورنا، ولكن بعد تنفيذ المشروع الإنساني العملاق غطت تلك المشاريع كل احتياجاتنا والخدمات التي نريدها، خصوصا في مجالات الصحة والمياه والكهرباء، فقد حقق هذا المشروع آمالنا وطموحاتنا، وبلا شك الجميع هنا يدركون ما وصلنا إليه، وما تحقق في هذه المنطقة بفضل تلك المشاريع. المهندس منصور الريس المشرف العام على المشاريع، أشار بدوره إلى أن المواطنين في تلك المنطقة بادروا بالتبرع بأراضيهم من أجل تنفيذ المشاريع الحيوية، وأبدوا حينها استعدادهم لبذل كل ما من شأنه خدمة المنطقة والنهوض بها، مضيفا أن المشاريع شملت إنشاء مستوصفات ومساجد وتسوير مقابر وآبار مياه، وقد روعي في تصميم المشاريع حالة التوسع السكاني المستقبلي للمنطقة، وتم اختيار المواقع بدراسات ميدانية واقعية بالتنسيق مع المسؤولين في مركز البرك، حيث بلغ إجمالي المساحات المخصصة لإنشاء المساجد نحو 900 متر، ولا تقل مساحة كل مسجد عن 300 متر، ويتوافر لكل مسجد مولد كهربائي للتكييف وغرفة للإمام، بالإضافة لدورات المياه ليستوعب المسجد ما يصل ل200 مصل. وأما في مجال المياه فقد تم إنشاء أربعة خزانات سعة الخزان الواحد 100 متر مكعب بارتفاع 20 مترا، وقد تم اختيار مواقعها بناء على الإنتاجية الجيدة لمصدر المياه والكثافة السكانية حتى يستفيد أكبر عدد ممكن من القرى المجاورة، وقد روعي أيضا وجود وحدات تعقيم للمياه بجوار كل خزان، بالإضافة إلى إنشاء أشياب لخدمة ناقلات المياه لتوزيعها على المناطق الوعرة التي يصعب إيصال شبكات المياه إليها. وفي المجال الصحي، تم إنشاء ثلاثة مستوصفات على مساحة 1600 متر مربع تبلغ مساحة كل مستوصف 200 متر مربع ليقدم الخدمات الطبية اللازمة، وخصوصا لحالات الولادة، مع إمداد كل مستوصف بسيارة إسعاف مجهزة.