كان أينما ذهب يحل معه الخير والعطاء والحب، فمن لا يحب سلطان الخير (يرحمه الله) وهو من يحنو على الصغير قبل الكبير.. يحل الحب والعشق أينما حل وهو صاحب الأيادي البيضاء والسخية على الأرامل والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والمحتاجين. إن الحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام (يرحمه الله) لا يمكن اختصاره في عدة صفحات وبعض الكلمات، لأن صاحبه أبلغ من الحديث وأفعاله أكثر صراحة من المدح والثناء، فحبه لفعل الخير عم أرجاء العالم، ولم تقتصر أعماله الخيرية على وطنه فقط، بل إن حبه اللا محدود في رسم الابتسامة على وجوه الأطفال والمحتاجين والمرضى لم تكن تعترف بالحدود أو الجنسية أو اللون. فبعيدا عن مهماته ومشاغله (يرحمه الله) كان رجلا يسخر وقته وماله وكل ما يملك لمساعدة الآخرين، ولعل تلك الابتسامة الرائعة التي كانت لا تفارق وجهه ليست إلا انعكاسا لمدى الرضا الذي كان يشعر به وهو ينظر لمريض شفي بفضل الله ثم بما قدمه له من مساعدة، أو لسماعه دعوة من محتاج فك عنه كربة من كرب الدنيا، أو بمسجد شيده أصبح يعج بالمصلين، كانت أعماله الخيرية كثيرة لا تعد ولا تحصى، منها ما نعرفه وما خفي منها أعظم. سلطان الخير لقب استحقه الأمير سلطان لكثرة ما أجرى الله سبحانه وتعالى على يديه من أعمال البر وعون المحتاجين ومسح دموع الأرامل والثكلى ورعايته لليتامى والإحسان إلى الفقراء وأهل الحاجة المعوزين، وتقديم العون للمؤسسات الصحية والتعليمية والخيرية التي استفاد منها كثير من الناس والعباد. بكاء ودعاء خديجة (22 عاما) فتاة في مقتبل العمر، كانت تعيش حياتها بشكل طبيعي، تحلم بالوظيفة، والحياة الأسرية والاستقرار، مثل كل فتاة في عمرها، إلا أن أحلامها تبخرت في لحظات، حين تعرضت لحادث مروري، وأصيبت بالشلل في أطرافها السفلية. ظلت خديجة أسيرة لكرسي الإعاقة عامين ونصف العام، بعد أن أخبرها الأطباء أن شفاءها ممكن ولكن يحتاج لإجراء عمليات تكلف مبالغ طائلة لا يمكن إجراؤها إلا في مستشفيات متطورة، كان ذلك قبل ثماني سنوات تقريبا، حين جاءت والدتها الطاعنة في السن إلى مقر صحيفة عكاظ تشكو معاناة ابنتها وتطلب نشر قصتها، علها تجد من أهل الخير من يساعدها على نفقات العلاج. بعد أن نشرت «عكاظ» قصةالفتاة، تلقيت اتصالا في نفس اليوم الذي نشر فيه الخبر، وكان على الطرف الآخر رجل يطلب تفاصيل كاملة عن حالة المريضة «خديجة» وعنوانها، عرفت بعد ذلك أنه من مكتب الأمير سلطان بن عبدالعزيز، فأعطيته كل ما طلب مني من معلومات، في اليوم التالي، اتصلت بي والدة الفتاة لتخبرني بأن رجلا اتصل بها وأخبرها أن ولي العهد، تكفل بعلاج ابنتها. بعد سماعي لهذا الخبر المفرح، انقطع اتصالي بوالدة خديجة لفترة من الزمن، وبعد عام ونصف العام تلقيت اتصالا، وحين أجبت على الهاتف كان في الطرف الآخر صوت امرأة تجهش بالبكاء بصورة جنونية، كان بكاء يشوبه بعض الفرح ثم تعود تلك المرأة إلى حالة البكاء الحار مرة أخرى، وكانت المفاجأة بعد لحظات حين أخبرتني تلك المرأة أنها والدة خديجة، التي أمر الأمير سلطان بن عبدالعزيز بعلاجها، تذكرتها جيدا إلا أنني لم أكن أعرف سبب ذلك البكاء، وحين تمالكت نفسها أخبرتني أن خديجة استطاعت المشي على قدميها مرة أخرى، كانت تقسم أنها تشاهد ابنتها الآن تمشي أمام عينها، وتعود للبكاء وهكذا، وقبل أن تنهي المكالمة، كانت تدعو من قلب صادق للأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي تكفل بعلاج ابنتها، كانت تدعو له دعاء من قلب أم لا يعرف النفاق والتملق، تدعو له بدعاء تقشعر له الأبدان. حرص على فعل الخير قبل أعوام قليلة أطلعت السكرتير الخاص للأمير سلطان، محمد بن سالم المري، على ظروف أحد المواطنين، كان أبا يعول أسرة كبيرة، يحتاج إلى إجراء عملية جراحية وسداد دين يهدده بالسجن، وكل هذه الظروف التي تحيط به تزيد من وضعه الصحي سوءا. وبعد يومين تلقيت اتصالا من مكتب ولي العهد يطلبون مني جميع المعلومات عن الرجل، فأخبرته بهذا الخبر المفرح وأرسل إليهم تقاريره الطبية وكل ما يثبت حالته، وفي نفس اليوم تلقيت اتصالا آخر مفاده بأن تكاليف إجراء العملية وسداد الدين تكفل بها الأمير سلطان وسيرسل كامل المبلغ. إلا أن الإرسال تأخر إلى اليوم التالي، وبعد إيداع المبلغ في حسابه تلقى الرجل اتصالا من مكتب الأمير سلطان بن عبدالعزيز «يعتذرون» فيه للرجل عن تأخر إرسال المبلغ ليوم واحد فقط ولم يكن التأخير مقصودا، بل لأسباب تتعلق بنظام البنوك، وبالفعل تمكن من إجراء العملية وسداد دينه، ولم أشاهده قط إلا ولسانه يلهج بالدعاء للأمير سلطان (يرحمه الله). لم يكن هذا التعامل مستغربا على الإطلاق ممن يعملون مع ولي العهد، فكل من يعمل مع سلطان الخير يدرك تماما ماذا يعني فعل الخير، وماذا يعني مساعدة الآخرين، فقد غرس (يرحمه الله) في نفوس كل المقربين منه حب الخير والتواضع ومساعدة كل محتاج . ابتسامة وتواضع سلطان الخير.. رجل لم تفارقه الابتسامة حتى في أحلك الظروف، يعلمنا كيف أن الابتسامة الصادقة تزيل هما ونكدا وكدرا، يعلمنا كيف نقتدي برسول الله، حين قال عليه أفصل الصلاة والسلام «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، وقال صلى الله عليه وسلم «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق». كيف وسلطان الخير جمع بين العطاء والتبسم، وهو الرجل الذي نشأ نشأة دينية وعلمية كان لها الأثر الكبير في أخلاقه وتصرفاته، وبالتالي في حياته العامة وعلاقته بالناس، لقد برزت في شخصيته أصالة الإنسان المسلم الذي يهفو قلبه إلى طاعة ربه وامتثال أوامره واقتفاء آثار الأسوة العظيمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرته العطرة في الحدب على الضعفاء ومساعدة المساكين والبر بالمحتاجين من المسلمين والتبسم في وجوههم، كان يدخل السعادة إلى قلب الصغير قبل الكبير والمقيم قبل صاحب الدار والفقير قبل الغني، اعتلى قلوب محبيه في جميع أرجاء الوطن وخارجه، كان (رحمه الله) يبتسم فتبتسم معه القلوب وترقص فرحا، كان رحمه الله الرجل المسؤول الذي يؤكد مع إشراقة كل شمس أن في أرضنا حبا وخيرا وجمالا ونماء وطهرا لا يدنس وقيما لا تضيع وآمالا لا تخيب.