لساعات طويلة كان كل منهما يتحدث عن معاناته مع الآخر، وفي كل مرة يلتقيان فيها، تحدث معركة يدافع فيها كل عن نفسه ويتهم شريك حياته، لم يكن أي منهما يملك القدرة على ضبط ولجم غضبه، ومع ذلك كل منهما يبرر ما يقوم به تجاه الآخر بحبه له، يتلفظ الزوج بألفاظ قاسية والزوجة تتهمه بالكذب تارة وبالخداع تارة أخرى، وفي كل جولة إما أن يقبل رأسها معتذرا، أو تبتسم له هي معتذرة، ناهيك عن رفض أهل الزوجة للزوج، ورفض أهل الزوج للزوجة، وحين يفتح هذا الملف يتهم كل من الطرفين أهل الطرف الآخر بأنهم هم سبب المشاكل، ويخرج كل منهما من جعبته قصصا وحكايات كثيرة تؤكد صدق تفسيراته، وكلما وصلت الأمور إلى حد التفكير بالانفصال يتراجع كل منهما عن قراراه وتظهر الرغبة القوية في استمرار الحياة بينهما، كان واضحا من بكاء الزوجة أنها تعاني من زوجها كثيرا، وكان واضحا من كلام الزوج أنه هو أيضا يعاني منها كثيرا، ولكنه كان يأمل أن تكون هناك طريقة لاستمرارهما مع بعضهما، وكنت بدوري أتساءل هل مثل هذه الحالة تؤكد صدق المثل المكي القائل: «القط يحب خناقه»؟ بمعنى أن القط يحب من يخنقه، وفي الأدب النفسي ما يؤكد أن الإنسان يتوحد مع المعتدي، بمعنى أن البشر يلتصقون بمن يعتدي عليهم، لذا بعد كل الحروب نجد أن ثقافة المنتصر هي التي تسود، أي عادات طعامه وشرابه ولباسه ونمط معيشته هي التي تسود وتسيطر، ويتلقف الطرف الخاسر ذلك ليتوحد معه وكأنه بذلك يمارس حيلة لا شعورية يتخفف بها من ضغط الطرف الأقوى، إلا أن حالة هذين الزوجين كانت خليطا من التوحد مع المعتدي، ونوع من الحب النرجسي لدى كل منهما للآخر، وهو حب يبدو في ظاهره على أنه حب وعطاء للآخر، إلا أن حقيقته حب للذات، وبالتالي حين ينفذ المحبوب ما يريده المحب يرضى عنه ويوافق، وحين لا ينفذ المحبوب ما يريده المحب، يغضب ويثور، وهذا بالضبط ما كنت أشاهده في كلا الزوجين خلال الجلسات الكثيرة التي حضرا فيها، وبدوري صرت أتساءل: هل الهدف من الزواج العيش ضمن هذه الأجواء من الضغوط؟ وهل الزواج شرع كي يعذب كل طرف شريك حياته؟ أم ليسعده؟ وبالتأكيد فإن عودة أحد الزوجين أو كليهما لنبش الماضي وما به من أخطاء نوع من التعذيب للذات وللآخرين، وربما كان الانفصال أفضل لأمثال هؤلاء الأزواج بدل استمرار النبش للماضي والتلذذ بتعذيب كل منهما للآخر، والسعي لإبقاء شريك الحياة ضمن الدائرة التي ترضيه وتشبع حاجاته، دون أن تكون لديه القدرة على العطاء للطرف الآخر دون شروط، إن كل حب يطفو على السطح فيه تقديم كشوف الحساب من المحب للمحبوب المزعوم لا يؤكد إلا حقيقة واحدة وهي أن هذا المحب يعطي ولكن بشرط أن يتلقى من المحبوب ما يريده منه ولو أخفق أو قصر فكل الغضب سيحيق به، إن الحياة الزوجية التي لا يلفها عطاء دون شروط، والتي يبتعد كل شريك فيها عن نبش الأخطاء الماضية لشريكه هي حياة محكوم عليها بالانتهاء عاجلا أم آجلا، والعقلاء هم الذين يقصرون عمر هذه الحياة إن لم ينجحوا في تغيير أنفسهم وتحويلها إلى نفس معطاءة، ونفس تلقن شريك الحياة درسا في الصبر والتسامح. للتواصل أرسل رسالة SMSإلى 88548 الأتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 146 مسافة ثم الرسالة