«في عام 1423ه، صدرت وثيقة أطلق عليها (وثيقة الرياض)، أقرت بعد اجتماع وزراء داخلية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالأخذ ببدائل العقوبات سواء أثناء التحقيق أو أثناء المحاكمة وهي الأهم والأوسع، لأن الأحكام الشرعية إما أحكام حدود أو تعازير، وأحكام التعازير متروك أمرها للقاضي حسب ما يراه علما أن جرائم التعازير هي الأكثر والأشمل التي ينظر فيها القاضي ويضع العقوبة المتناسبة مع الجرم ومع حالة الجاني وحالة المجني عليه، وهناك بدائل ما بعد المحاكمة، لأن الأحكام في الشريعة الإسلامية تشتمل على جرائم حدود أو تعزير حيث يترك للقاضي الحكم بما يشاء، والقاعدة الفقهية تقول (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، لذا فإذا كانت السجون متكدسة فالواجب ألا يتم تطبيق عقوبة السجن، وعلى القضاة أن يتفهموا أن المقصد من السجن الإصلاح، فإذا كان بالاستطاعة إيجاد عقوبة بديلة فهو الأفضل، وعلينا النظر باهتمام إلى أهمية تطبيقه وأعني به إيجاد عقوبة بديلة عن السجن للتقليل من التكدس في السجون. وفي هذا الصدد عقدت العديد من اللقاءات والندوات حول هذا الأمر الحيوي، منها الملتقى الذي تم تنظيمه برئاسة رئيس مجلس الشورى آنذاك الشيخ صالح بن حميد وبمشاركة عدة جهات من بينها هيئة التحقيق والادعاء العام وغيرها من الجهات المعنية، وجميعهم أقروا بضرورة تطبيق هذا المشروع، بعده نظمت المديرية العامة للسجون مؤتمرا عن بدائل السجون عام 1428 وترأسه أيضا الشيخ صالح بن حميد، وأيدت توصياته جميعها الأمر إلى ما لا نهاية، وتوالت اللقاءات والمؤتمرات ولعل من بينها ندوة عن العقوبات البديلة نظمتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تضمنت أهمية تطبيقه سريعا للحد من تكدس السجون. والجميل في الموضوع مبادرة عدد من القضاة بتطبيق هذا الإجراء، حيث بدأها قاضي محكمة المويه الشيخ محمد العبد الكريم وبادر مشكورا بإيجاد بدائل للعقوبات، ثم تلاه بعد ذلك عدد من القضاة في عدة مناطق من مدن المملكة مثل الباحة، جازان، جدة، عرعر، والقطيف، ونحن بدورنا نوجه لهم خطابات شكر تشجيعية على مبادراتهم، كما يتم إرسال صور من تلك الخطابات إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وزير العدل، ووسائل الإعلام تشجيعا لهم ولإقرار هذا المبدأ، وتتويجا لكل هذه الجهود أصدر خادم الحرمين الشريفين في عام 1429 توجيهه الكريم إلى كل من وزارة الداخلية ووزارة العدل بتفعيل هذا الأمر، وتضمن التوجيه الملكي تشكيل لجنة مكونة من وزارتي الداخلية والعدل، وديوان المظالم وهيئة التحقيق والادعاء العام لوضع نظام أو لائحة تم رفعها إلى الداخلية لإقراره كنظام أو لائحة استرشادية، والذي نتمنى أن يتم خلاله إزالة المعوقات التي واجهتنا وحالت دون تطبيقه، ولعل من أبرزها إزالة اللبس حول من سيقوم على النظام ومن يقوم على تنفيذه، وكيف سيتم تنفيذه، كذلك العقوبة من سينفذها ومتابعتها هل هي الجهة نفسها، أو تشكل لها جهة خاصة؟، لكننا نواجه أيضا عقبات، خصوصا عندما يصر المحكوم على رفضه للعقوبة البديلة لأنه يؤمن بمقولة أن (السجن للرجال)، وبطبيعة الحال لا توجد فئة عمرية محددة يتم تطبيق الأمر عليها وجميع السجناء يدخلون تحت مظلته نساء ورجالا، ومن المؤكد أنه سيتم وضع عقوبات بديلة للنساء تتفق مع تكوينهن، وبطبيعة الحال أيضا، أن سيد الموقف هنا هو القاضي». اللواء الدكتور علي الحارثي مدير عام السجون.