المجتمعات الإنسانية والكيانات البشرية شأنها شأن جميع الكائنات الحية، يصيبها من الأدواء والأمراض ما يلحق الأذى بها وبمكوناتها مما يتسبب في ضعفها وهزالها أو هلاكها. وكما أنه لابد لكل مرض أو داء في بدن الإنسان أو الحيوان من دواء يخفف ألمه أو يزيله كذلك لابد لكل أدواء وأمراض المجتمعات من علاج بأدوية كذلك. وكما أن علاج الأبدان لا يكون شافيا بإذن الله إلا إذا شخص المرض والداء تشخيصا صحيحا، وعرفت أسبابه. وكذلك علاج المجتمعات مما يصيبها من أدواء فكرية وسلوكية تخرجها من منهج الاستقامة لا يكون شافيا ومجديا إلا بمعرفة أسباب ما يعتريها من تلك الأدواء. وقد برز في عصرنا الحاضر «ظاهرة الإرهاب» وتولى كبرها شواذ ممن ينتسبون إلى الإسلام، ويزعمون أنهم حماته والمدافعون عنه. وكان بذلك أسوأ الأثر على الإسلام بتشويه صورته، وتنفير الناس منه. كما كان له الأثر السيئ على المجتمعات الإنسانية، وفي مقدمتها المجتمعات الإسلامية من ترويع الآمنين وإزهاق الأنفس وتخريب المكتسبات المادية والمعنوية مما جعل تلك المجتمعات تصرف جهودا وأوقاتا وأموالا طائلة لمكافحة هذه الظاهرة المنكرة، بدلا من صرف ذلك في تنمية المجتمعات واستقرارها ورفع مستوى معيشتها. وقد اختلفت طرق وأساليب الدول في مكافحة الإرهاب، وأكثرها غلبت الجانب الأمني في ملاحقة عناصر تلك الفئات لتصفيتها أو الحد من حركتها وهذا وإن كان جانبا مهما بمكافحة هذه الظاهرة لكنه بمثابة إزالة الجزء الظاهر من الورم السرطاني دون استئصاله، والقضاء على جرثومته وفيروسه وخليته المسببة له ومن هنا سلكت المملكة العربية السعودية منذ بروز هذه الظاهرة مسلك الطبيب الماهر في معالجة الحالات المرضية التي بين يديه، وذلك باتخاذها الوسيلتين الأساسيتين في معالجة أي مرض حسي أو معنوي. إحداهما: التخفيف من آثاره والحد من انتشاره. وهذا هو الجانب الأمني الذي نجحت فيه نجاحا ملحوظا. والوسيلة الثانية: وهي الأهم في القضاء على هذه الظاهرة على المدى البعيد وهي محاولة التعرف على أسباب تلك الظاهرة ودوافعها والعمل على علاجها، وتبصير الناس بها سواء من وقعوا فيها للعدول عنها أو غيرهم ليكونوا على بينة فينبذوها ويحذروا الآخرين من الوقوع فيها. ولا شك أن أهم أسباب الإرهاب هو ظاهرة التكفير التي انتشرت في أوساط بعض المنتسبين إلى الإسلام والزاعمين بأنهم حماته والمدافعون عنه. ولقد أدرك القائمون على جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة أهمية هذا المسلك بعلاج الإرهاب، بالتعرف على أهم مسبباته وهي (ظاهرة التكفير) فدعت بتوجيه من راعي الجائزة، وهو الخبير في مكافحة ذلك الداء الخطير دعت إلى إقامة مؤتمر عالمي يعقد في المدينةالمنورة لتدارس ظاهرة التكفير ليشارك فيه أهل العلم والخبرة بعلمهم وخبرتهم لتشخيص هذه الظاهرة تشخيصا دقيقا، ثم تقديم الحلول المناسبة لتكون بإذن الله الدواء الناجع لهذا الداء. وإنني آمل وأتوقع لهذا المؤتمر النجاح الكبير في هذه المهمة الشرعية الإنسانية العالمية لما يتوافر له من أسباب النجاح، لا سيما أن جامعة إسلامية عريقة متخصصة في الدراسات الشرعية والإسلامية المعاصرة هي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية مسهمة في إقامته، وسيختار له من قبل هاتين الجهتين الخبيرتين من هم في أعلى درجات العلم والمعرفة لتقديم البحوث العميقة والدراسات المتخصصة، وستكون بحول الله بحوث هذا المؤتمر وتوصياته خير معين على نشر الوعي بخطورة هذه الظاهرة وأسبابها وطرق ووسائل علاجها، لجميع المهتمين بهذا الشأن وبخاصة الشباب والدعاة ورجال الأمن بل عموم المسلمين وغيرهم، كما أرجو أن يكون فيه تبصرة لمن جنحت بهم الأفكار المنحرفة بأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يستبينوا الطريق المستقيم والمنهج السليم. وفي الختام أسأل الله أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الذي وافق على إقامة هذا المؤتمر برعايته وهو حلقة من سلسلة ذهبية من جهوده حفظه الله لترسيخ الأمن والأمان في هذا البلد الطيب، وفي سائر بلدان المسلمين والعالم. * عضو هيئة كبار العلماء عضو المجلس الأعلى للقضاء