بوفاة الأستاذ الكبير محمد صلاح الدين.. فقدت الساحة الإعلامية في بلادنا أحد روادها الكبار من الرعيل الأول، الذي وضع أسس وقواعد العمل الصحافي الحديث القائم على دعائم الأمانة والمصداقية والمسؤولية الوطنية. وظل رحمه الله طيلة نصف قرن من العمل في ميدان الكلمة واحدا من أصحاب المبادئ الشريفة، وكانت كلماته تجسيدا ناصعا لمبادئه وأخلاقه وسيرته ومسيرته. كان عنوانا للنزاهة والإخلاص وكلمة الحق التي تحمل في سبيلها الكثير من المتاعب والصعاب دون أن يتنازل عن مبدأ يراه، أو حق يدافع عن حياضه، أو مظلمة يريد رفعها لصالح فرد أو جماعة. كان رحمه الله مدرسة في القيم وأنموذجا يحتذى في السلوك، وأستاذا لجيل من الصحافيين والكتاب تتلمذوا على يديه ونهلوا من فكره وأسلوبه، واستفادوا من نهجه وطريقته وساروا على دروب الكلمة الطيبة التي كان عنوانا لها. ينقل عنه تلميذه وزميله ورفيق دربه الدكتور هاشم عبده هاشم في بدايات عمله بالصحافة قوله رحمه الله «لا تخف من غير الله.. لأن الخوف من النفس ومما قد يقع منا من أخطاء ولا سيما في مهنة شريفة كالصحافة.. هو الذي يقينا من الوقوع في الزلل كلما تحرينا المصداقية في أعمالنا.. وفي بناء الثقة مع الناس المحيطين بنا». وهكذا وضع رحمه الله مخافة الله عز وجل نبراسا يضعه كل إنسان أمامه في كل عمل يقوم به، أو كلمة يكتبها، أو مهنة من ورائها. وإني لأدعو مخلصا جميع الصحافيين وحملة الأقلام أن يتخذوا من هذا العملاق الراحل قدوة لهم في أخلاقياته ومبادئه وتعامله مع الآخرين. كان رحمه الله إلى جانب حفظه لكتاب الله الكريم وثقافته الدينية المستنيرة موسوعة ثقافية في الفكر والسياسة، ومعالجة قضايا الأمة وعلاقاتها الخارجية بالطرح الهادئ الرزين والكلمة الصادقة الأمينة عبر زاويته اليومية الأثيرة «الفلك يدور»، حيث سخر قلمه السيال دفاعا عن الدين والوطن وقضايا الأمة ومصالحها العليا بكل ما أوتي من قوة الحجة والبيان في مواجهة الظلم والطغيان. عاش رحمه الله عف اللسان.. طاهر اليد.. مثلا كريما يحتذى في مكارم الأخلاق ودماثة الخلق.. وفيا لأصدقائه.. يزورهم ويتفقدهم ويتواصل معهم في أفراحهم وأتراحهم.. أمينا في عمله.. متقنا لأعماله.. محبا للخير للجميع.. صادقا مع نفسه ومع من حوله.. صاحب مبادئ ومثل لا يحيد عنها أو يميل. ولئن غاب عنا جسدا، فإنه باق معنا فكرا وسلوكا وذكرى خالدة لا تموت.. نعم فقدناه.. لكننا لم نفقد مثاليته التي كانت وستظل دروسا للآخرين. رحمك الله يا أبا عمرو.. رحمة واسعة.. طيب الله ثراك.. وجزاك الله خير الجزاء على ما قدمت لدينك.. ووطنك.. وأمتك.