لم أر أكثر بؤسا وشقاء وسذاجة ممن يكون في وطنهم ديكتاتور يسومهم سوء العذاب عقودا من الزمن فإذا سقط وحلت الفوضى من بعده جاء هؤلاء البؤساء الأشقياء السذج وأخذوا يترحمون على جلادهم «النافق» بزعمهم أن وطنهم أصبح من بعده أسوأ حالا مما كان عليه خلال حكمه الفاشي الفاسد! لقد ظهرت مثل هذه الأقاويل بعد سقوط الديكتاتور زياد بري في الصومال، وصدام حسين في العراق، وماركوس في الفلبين، وموبوتو في «زائير» الكنغو الديمقراطية، وربما في غيرها من البلدان الآسيوية والأفريقية واللاتينية! وليس من المستبعد أن يأتي من العينة نفسها من يترحم على ابن علي ومبارك والقذافي وغيرهم، لأن المتوقع أن يعقب سقوط أي ديكتاتور نشوء بعض الفوضى بعد قهر وكبت شديدين استمرا سنوات طويلة، والقاعدة في مثل هذه الأحوال تقول إن بقاء الديكتاتور في الحكم بلاء ورحيله بعد طول بقاء فناء ولكن التاريخ لا يعود إلى الوراء، أما أسباب الفوضى التي قد تحصل وبمستويات متفاوتة في الدول التي تظل تعاني من حكام طغاة حتى سقوطهم، فإنها عائدة إلى أن الحاكم الفاشي يظل فترة حكمه يعمل على تغذية النفوس بالحقد بعضها ضد بعض ويزرع الفرقة بين أبناء الوطن ويهيئهم للفتنة بمجرد رحيله، فإذا سقط واضطرب الأمن وساد الفراغ السياسي أخذت فئات من الشعب تصفي حساباتها مع فئات أخرى تصفية لم تستطع القيام بها خلال حكم الديكتاتور وأمنه المزيف القائم على الخوف والقمع فلا يحصل تغيير في أي بلد محكوم بالطغاة إلا وتعقبه الفوضى والدماء التي هي نتيجة منطقية لحكم فاشي فاسد يهدم ولا يبني ويأخذ ولا يعطي، فكيف يجوز لإنسان عاقل راشد الترحم على من يكون أصل البلاء في ما جره على وطنه من فوضى وفناء، وهل المطلوب أن يحافظ كل وطن وشعب على ديكتاتوره إلى يوم القيامة حتى يسلم من الفوضى التي تعقب سقوطه، ولماذا لا يسأل الناس أنفسهم عن أسباب عدم حصول مثل هذه الفوضى في الدول التي يحكمها زعماء صالحون يعتبرون الحكم خدمة لوطنهم وشعبهم فإن ظلوا فيه سنوات ثم خرجوا منه عاشوا بقية حياتهم في أمن دون أن يرافق خروجهم من السلطة أي فوضى أو تبدلات درامية في حياة الشعوب، ومتى يرتفع هذا الوعي المنخفض؟ للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة