مما لاشك فيه أن الأنظمة الحاكمة ذات تأثير سلبي أو إيجابي في الشعوب التي تقودها فإن كانت تلك الأنظمة فاسدة من الناحية المالية راتعة في النهب والسلب للمال العام، فإن دائرة من يقتدون بها تتسع عاماً بعد عام حتى يصبح الذي لا يرتع في المال الحرام «ذا علة» وليس ذا عفة تطبيقاً لنظرية الشاعر المتنبي عندما قال: والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم! وهو قول فاشي لم يصل إلى مستواه حتى موسوليني! فإذا اتسعت دائرة الفساد أصبح له قاعدة عامة وتعامل معه الناس على أساس أنه أمر واقع حتى قيل إن موظفا في دولة نظامها فاسد كان يضع فوق رأسه عبارة «ادفع بالتي هي أحسن» فمن فهمها على أنها عبارة قرآنية كريمة لم تقض حاجته ومن فهمها على النحو الذي قصده رافعها دفع الرشوة بالتي هي أحسن حتى ينهي معاملته قبل أن تضيع، واعتبر المجتمع الذي ألف الفساد أن ذلك الموظف ذكي وأنه يستحق الاحترام والإعجاب! وهكذا تتمدد رقعة الفساد في الأرض وبرعاية الأنظمة الحاكمة في العديد من المناطق والدول حتى تصبح مثل السرطان الذي ينتشر في الجسد فلا تعود هناك أية إمكانية للخلاص منه إلا بعمليات جراحية دامية تمزق أوصال وعروق ذلك الجسد، فلا عجب أن يصاحب كل علاج للفساد فوضى ودماء واضطراب. وتحكي كتب التاريخ الإسلامي أن الشاب الصالح الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز تولى الخلافة في وقت استشرى فيه الفساد المالي بين الخاصة والعامة، فحاربه وقاوم المفسدين حتى عم الخير والعدل أرجاء الخلافة، ولكن ذلك الأمر لم يدم طويلا فقد اغتيل الخليفة الراشد بالسم الزعاف من قبل بعض من حوله بعد ثمانية وعشرين شهرا من توليه مقاليد الخلافة، ومع ذلك سيرته العطرة ظلت تفوح في أرجاء الدنيا واعتبر خامس الخلافاء الراشدين وأصبح مضرب المثل في العدل والحكم الرشيد، ولكن أحوال الفساد عادت من بعده كما كانت وأشد ولم تزل ضاربة بأطنابها في أرجاء من العالم الإسلامي حتى تاريخ كتابة هذه السطور، ولذلك فقد الناس الأمل في أي إصلاح ممكن وأصبحت العملية يائسة نتائجها بائسة، وقد تؤدي إلى الترحم على رحيل نظام فاسد لما حصل من بعده من فوضى واضطراب؛ فقد ثبت أن بقاء الحكم الفاسد الظالم بلاء وأن رحيله فناء ولكن التاريخ لا يعود إلى الوراء!! للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة