أيام العيد، أيام فرح وابتهاج، لكن الموت لا يعترف بذلك، الموت دأب على أن يخطف الأحبة متى حان أجلهم، بلا توان منه أو ترو في تخير الزمان. صباح الأحد الماضي رحل عن دنيانا أخونا الكاتب المعروف محمد صلاح الدين، توفي في شهر مبارك في أيام فضيلة، وشيع جثمانه في آخر يوم من شهر رمضان في العشر المباركات. ودع الحياة مع توديع المسلمين لشهرهم الكريم وغادر معه مرافقا له. صلى عليه في المسجد الحرام آلاف من الصائمين والمعتمرين الركع السجود، فعسى أن تكون ساعة استجابة ونزول رحمة. كان توقيت وفاته رحمه الله توقيتا يتمناه المؤمن الصادق، ولو كان بيد الأحياء اختيار وقت موتهم، ما وجدوا أفضل من هذا الوقت الذي يكون فيه الله قريبا من عباده يجيب دعاءهم ويقبل استغفارهم. ما زلت أذكر أول مرة قابلت فيها الأستاذ محمد صلاح الدين في أوائل الثمانينيات الميلادية في مدينة آن آربر الأمريكية حين كنت أدرس في جامعة ميتشجان، وكان هو قد جاء إليها ليلتحق بالدراسة في أحد أقسامها المتخصصة في الدراسات السياسية. لفت نظري إليه في ذلك الوقت، أنه جاء للدراسة بعد أن شق طريقه وكون نفسه، فقد كان آنذاك رجلا ناضجا يملك المال والعمل وله مشاريعه الاقتصادية التي يديرها ويشرف عليها، ولم يكن في حاجة إلى شهادة علمية تعينه على الحصول على وظيفة أو ما يؤمن به مستقبله، فشعرت أني أمام رجل مختلف، رجل جاء من بلده مغتربا ومنفقا من ماله ووقته لا غاية له سوى الوصول إلى فهم أفضل لما كان يجري من أحداث ووقائع في العالم عامة والعالم العربي والإسلامي خاصة! الأستاذ محمد صلاح الدين رمز من رموز الفكر والثقافة والصحافة في بلادنا، عمل في مجال الإعلام أكثر من أربعة عقود، وأسهم في تحرير عدد من الصحف، كما أسهم في تأسيس بعض المطبوعات ومنها مجلة (أموال) المتخصصة في المصرفية الإسلامية، وأنشأ الدار السعودية للنشر قبل خمسين عاما تقريبا وبعدها أنشأ وكالة مكة للإعلام وهي وكالة معنية باصدار المجلات الممثلة للمؤسسات الأهلية والحكومية، مثل مجلات الحج والغرفة التجارية والخطوط السعودية وغيرها، وإلى جانب ذلك كان كاتبا مبرزا وله زاوية معروفة في صحيفة المدينة بعنوان «الفلك يدور» اعتاد عبرها أن يطرح تأملاته في الأحداث السياسية العربية والعالمية بلغة مهذبة وقلم عف، لم يخرج يوما عن السياق المهذب أو يسقط في شراك التشاتم والتقاذف مع أحد. كما لم يكن متطرفا في فكره أو كتاباته وآرائه، فكانت سمته الاعتدال والتوسط. رحم الله أبا عمرو وأسكنه فسيح جناته، وألهم زوجته صفية جنيد وأولاده عمرو وسارة وهلا، السلوى وأعظم لهم الأجر ورزقهم الصبر على قضائه وقدره. إنا لله وإنا إليه راجعون. فاكس 4555382-01 للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة