قبل عدة عقود كان في حارتنا «كناس» أي عامل نظافة حسب التسمية الجديدة، وكان ذلك الكناس يتصف بالسذاجة ومزاجه عصبي جدا.. ربما لأنه يرى نفسه في مهنة وضيعة؛ مع أنها مهنة شريفة، مهمة لولا قيامه وأمثاله بها لوجدنا أنفسنا نمشي وننام على القمائم، التي إن زادت علت رؤوسنا! وقد أدرك بعض فتيان حارتنا سذاجة «الكناس» أو عم يحيى كما كانوا ينادونه، فأحبوا أن يمازحوه، فكان إذا مر عليهم لحمل القمائم إلى صندوق النفايات: صاحوا عليه قائلين ألا تعلم يا عم يحيى أن ربك ورب الكلب واحد؟!، فيغضب لسذاجته من قولهم، ويرمي من يديه كيس القمائم، ويلوح بمكنسته الغليظة مهددا بشج رأس من يكرر تلك الجملة! فيستغرق «العيال» من حوله ضاحكين! وكنت أقلب قبل أيام في أوراق التقويم فوجدت فيها ورقة تحمل موقفا تاريخيا مشابها لحكاية عم يحيى مع أولاد «حارتنا» حيث جاء في الورقة أنه كان لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو أحد العبادلة الفقهاء، كان له مولى يخدمه فإذا جاءه للخدمة مازحه قائلا: لقد خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام فيغضب الخادم من قوله؛ لأنه يظن أنه فيه ما يقلل من شأنه فيضحك ابن عمر منه ويشرح له أن ما قاله حق لأن الله خالق كل شيء وهو يخلق الكرام واللئام والطيبين والأشرار والعصفور والعقرب! والمزاح الذي يكون بالحق نهج نبوي شريف، وفيه دلالة على أن الإسلام دين السماحة والحياة، وليس دين التجهم، وقد ورد في السيرة النبوية أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يمازح أصحابه، وأنه لم يكن يمازحهم إلا الحق كقوله عليه الصلاة والسلام ممازحا صحابية عجوز: لا تدخل الجنة عجوز فإذا رأى الحبيب الرؤوف الرحيم جزعها أفهمها بأن جميع المؤمنات في الجنة سوف يكن عربا أترابا، وأن الله يحول كل مؤمنة عجوز مستحقة لجنة الخلد إلى فتاة حسناء، ليس لحسنها مثيل في هذه الدنيا الفانية، وإنما سميت الدنيا لأنها أدنى من الآخرة، وأن الدار الآخرة لهو الحيوان لو كانوا يعلمون. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 162 مسافة ثم الرسالة