يموت الإنسان ولا يبقى إلا ذكراه الطيبة وما خلفه من عمل صالح يخلد اسمه، فهذا مكسيم جوركي يقول «إن تاريخ الإبداع والعمل الإنسانيين أهم بكثير من تاريخ الإنسان ذاته، فالإنسان يعيش حتى المائة، ومن ثم يموت بينما تعيش أعماله قرونا». ولهذا فقد خلد الكثر من الرواد أنفسهم بما حققوه من أعمال فكرية إبداعية.. فعلى سبيل المثال نجد جبران خليل جبران (1883 1931) والذي غادر هذه الدنيا قبل ثمانين عاما، فرغم أنه لم يعمر وذاق من شظف العيش وقساوته كثيرا، إلا أنه أبدع وخلد اسمه بما ترك للأجيال.. فقد تناقلت الأنباء أخيرا خبر معرض فني أقيم في سيدني في استراليا بمناسبة ذكرى وفاته إذ كان إلى جانب إبداعه في مجال الشعر والنثر رساما موهوبا فقد أقيم المعرض الفني إلى جانب مؤلفاته العربية والمعربة ومن ضمن ما سمعته أن أحد كتبه المشهورة (النبي) قد بيع منه 100 مليون نسخة وترجم لأكثر من 50 لغة ولهذا يحسن أن نلقي قليلا من الضوء على هذا الرجل الذي ما زال يعيش رغم رحيله. عاش ثمانية وأربعين عاما إذ ولد في بشري في لبنان، هاجر مع أسرته إلى أمريكا سنة 1895 وهناك تعلم الإنجليزية، عاد بعد ثلاث سنوات إلى لبنان لاستكمال تعلمه العربية التي بدأها في مسقط رأسه، عاد إلى مهجره ليواجه الفقر والفاقة بعد موت أمه وأخته وأخيه، عاش من قلمه ومن ريشته ومن خلال ما يدفع له من أجر على ما يكتبه من مقالات في جريدة (المهاجر) في نيويورك وما يرسمه لبعض الشخصيات والوجهاء، ذهب إلى باريس لاستكمال دراسته، عاد بعدها يحمل مؤلفيه الأولين المخطوط (الأجنحة المتكسرة) و(العواصف) فبدأ يكتب باللغة الإنجليزية فنشر كتاب (المجنون) 1918 وكتاب (السابق) 1920 ثم كتابه الذي أكسبه شهرة عالمية (النبي) 1923 وتوالت بعد ذلك كتاباته ورسومه الفنية حتى وفاته فدفن في نيويورك ثم حمل رفاته إلى قريته بشري بلبنان. وقد جمعت قصائده وشعره المنثور (دمعة وابتسامة) و(المواكب) فيعتبر من رواد النثر الشعري في العربية الحديثة، علما بأنه قد بدأ الكتابة بالعربية في مرحلة مبكرة من حياته وأول مؤلفاته (الموسيقى) 1905 ثم (عرائس المروج) 1906 ثم (الأرواح المتمردة) 1908، ثم (الأجنحة المتكسرة) و (العواصف). قال عنه صديقه ميخائيل نعيمة في تقديمه لمجموعته الكاملة باللغة العربية «... فساح سياحات بعيدة في دنيا التأمل والتبحر والخيال، وتحدث عن سياحاته بريشته البليغة وقلمه الحساس فرسم الكثير وألف الكثير، ولكنه ارتحل عن هذه الفانية وفي ريشته خطوط وألوان لم تنسجم في رسوم، وبين شقي قلمه أنغام وأفكار لم تنتظم في مقاطع. وأغلب الظن أنه لو سئل قبيل أن بلغت روحه التراقي «هل قلت كلمتك يا جبران؟» لأجاب «لفظت منها مقاطع. أما الكلمة الكاملة فما قلتها بعد»، فيعود ميخائيل نعيمة موجها حديثه للقارئ «.. إن تسألني أين تجدها يعني الكلمة أجبك بأنك لن تجدها في هذا الكتاب أو في ذلك، ولا في هذه المقطوعة أو هاتيك، بل عليك إذا شئت أن تعرفها، بمطالعة كل ما كتبه جبران من (الموسيقى) حتى (التائه) فحياته وأعماله، مثل حياة أي إنسان وأعماله وحدة لا تتجزأ، وهي كالحلقة يتصل أولها بآخرها، ومن ثم فالإرث الذي تركه لنا جبران إرث غني، فجدير بنا أن نستمتع به كاملا، لا بهذا البعض منه دون ذلك». للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 143 مسافة ثم الرسالة