الذي لا ينضح إناؤه علما مفيدا يتلقف اللغو واللغط، يدخره في لسانه وحلقه ليلقيه في يومه وغده. يلوك أصداء الأحداث ويتصدى لها بالتحليل والتفسير والإضافة والحذف والتغيير وما آفة الأخبار إلا رواتها ويراه أمثاله صاحب حجج ومراجع، وقد يرفعونه إلى مقام أهل العلم والأدب، ويأخذون رواياته عن كل مشاع وخاص، وكل كبيرة وصغيرة بأنها حقائق ومسلمات تنمو أكثر وتتفرع ليصير يومهم وليلتهم بداية لفترة جديدة، لا يعلم مداها إلا الله، من الجدل واللمز واجترار أسماء وأفعال وكلمات، ولا ينتهي انشغالهم فيما يرونه «تدبيرا» و«تأويلا» ضروريا لمجريات الحياة، وقد جعلوا أنفسهم قضاة في شؤون غيرهم، حتى يبلغ بهم الحماس وهنا مصيبتهم أن يتدخلوا في ما لا يعنيهم دون طلب من أحد وبناء على ما تقدم من معطيات وضعوها بانفسهم! لمن ينشد الإنتاج والإبداع والحكمة فليختصر من الوقت وسرد الأحوال بين المترقبين، من بعيد وقريب، لعلهم يعرضون عن البحث والتحليل والقرارات والتطاول والتدخل، وليعمل بقول المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم، وأفضل منه الاطمئنان بقول مولانا جل جلاله «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم». د. فارس محمد عمر توفيق