استحوذت السينما في بداياتها على تقديم أفلام تتناول التجسس وأدواته وأساليبه وابتكاراته المتعددة، فكانت مجرد محاولات، لما يدور من حولنا في هذا العالم السري والغامض. إلا أن مطلع الثمانينات شهد تحولا ملفتا حين قدم الراحلان الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي مسلسل (دموع في عيون وقحة) وقام ببطولته الفنان عادل إمام ومعالي زايد، لقصة جسدت حياة جمعة الشوان من ملفات المخابرات المصرية، ثم أتبعت بثلاثية (رأفت الهجان) لنفس الكاتب ومن نفس الملفات، وتصدى لبطولته الفنان محمود عبدالعزيز ويسرا، ليسردا مافعله رفعت الجمال في إسرائيل، ثم جاء الكاتب صالح مرسي المتخصص في أدب الجاسوسية، بمسلسل ثالث بعنوان (الحفار)، الذي قدم في منتصف التسعينات من بطولة حسين فهمي وهالة صدقي. وتوالت الأعمال المتعددة التي تناولت أعمال الجاسوسية وبطولاتها، فكل عمل مثل مرحلة معينة لمعطياتها السياسية وتداعياتها النفسية من أحزان وخيبات رفرفت على محيط العالم العربي، محاولة لإخراجه بأعمال عن واقع سري ناجح، ولكي نكون منصفين أيضا، فكثير من الأعمال كانت في حالة زهو ونشوة انتصار. في رمضان الحالي ظهر مسلسل (عابد كرمان) الذي لم يكن من واقع الملفات، إنما هو إبحار وخيال لمؤلفه ماهر عبدالحميد الذي قدمه في رواية (كنت صديقا لدايان) فموضوع المسلسل اعتمد على عناصر التشويق والإثارة للأعمال التي يفضلها المشاهد العربي، وقد صنع من الرواية كاتب السيناريو بشير الديك، رؤية تنم عن خبرة واقتدار، أسهم فيها مع المخرج نادر جلال على إضفاء لمسات تعامل مع تطور التقنية والأداء والأفكار التي تطرح مع مثل هذه الأعمال، سواء على مستوى الأداء والتقنية والمفردات والأساليب التي ينتهجها رجال المخابرات. العمل قام ببطولته الفنان السوري تيم الحسن الذي كان موفقا، للقيام بدور «عابد كرمان» شاب فلسطيني يتحدث باللهجة الشامية وينتمي لعرب 48م وقد حصل على الجنسية الإسرائيلية، ويعمل بها ويعيش هناك بشكل طبيعي إلى أن يتم تجنيده للعمل كعميل لدى جهاز المخابرات، وهي شخصية تختلف كليا عن ما سبق وقدمه تيم الحسن للدراما العربية، وقد أظهر العمل مقدرة هذا الشاب على الأداء المتنوع بين التاريخي والحديث والإثارة والتشويق. الحسن شكل مع الفنان إبراهيم يسري ثنائيا رائعا، فالأخير لديه رصيد رائع من الأعمال والأداء الفريد، أضفى على العمل بعدا ملموسا في عناصر التشويق، كما أن حضور الكثير من الفنانين في هذا العمل كان له أثر واضح في نجاح العمل واستقطاب المشاهد العربي له ومتابعته عبر فضائيات التلفزيون المصري وقناة الحياة، حيث كان في مقدمة هؤلاء عبد الرحمن أبو زهرة وشيرين وفادية عبد الغني وإبراهيم يسري ومحمد وفيق وريم البارودي وميرنا المهندس ومحمد عبد الحافظ وألفت إمام ونبيل نور الدين وأحمد حلاوة.. ولعل من المآخذ على هذا المسلسل أن العديد من المشاهد كان يمكن اختصارها وخصوصا تلك المتعلقة بفترة تدريب العميل في أحد القصور الريفية في بلجيكا، حيث امتدت فترة التدريب لأكثر من ثلاث حلقات حتى يتم فيها التأكد من إمكانية الاستفادة منه استخباراتيا.