من يتابع ما يحدث اليوم في سورية سيلاحظ تهشم المزيد من جليد الخوف الذي كان يغطي الطبقة الخارجية للأرض السورية، واستبياع الكثير من السوريين من أجل معركتهم. يشهد على ذلك رقم المعارضة الذي نراه يتزايد وتكبر مساحته، وأعداد المدن التي اصطفت مع المعارضة. والسبب الرئيس المباشر في التحول الأخير -من وجهة نظري- هي طريقة النظام السوري في التعاطي مع مطالب الثوار، فقد قابل نظام البعث الذي يحكم سورية، الأحداث بالتجاهل التام لما يحدث والخروج على الناس بخطاب إعلامي يحاول استغفال الرأي العام بالحديث عن (شبيحة) يقتلون الناس ويهددون أمن سورية والكل يعلم أن هؤلاء الشبيحة ليسوا إلا رجال النظام السوري نفسه. إذن فنحن أمام نقطتين مهمتين جعلتا الحوار بين النظام والثوار مستحيلا؛ الأولى هي الدم وتزايد المطالبة بالثأر، فقتل المزيد من الناس لن يخمد ثورة السوريين، بل سيزيد من سعيرها أكثر، وكلما تضخم رقم القتلى، أصبح الرجوع مستحيلا أكثر. فعلاج المشكلة بالقمع والسلاح بدلا من أن يؤدي لنتيجته التي تصورها النظام، أدت إلى تحطيم حاجز الخوف والرعب الذي عاشه السوريون على مدى العقود الطويلة الماضية وأصبحت سورية كلها لا ترى إلا الثأر والنصر أو الموت في سبيل ذلك. النقطة الثانية هي الاستخفاف بالعقول الذي يمارسه الخطاب الإعلامي المليء بالاستغفال مما يجعل كل محاولات الحوار تفشل، فالحوار لا يقوم إلا على الثقة المتبادلة والثقة هنا معدومة، ولا دليل على أدنى حد من النوايا الحسنة. لذلك لم تبق وسيلة للتعبير عن الموقف سوى الاستمرار في المطالبة بإسقاط النظام، خصوصا أن أولئك المتحاورين في دمشق لا يحظون بتمثيل حقيقي في الشارع، إذ معظمهم ينتمون لأحزاب بائدة انضوت منذ زمن بعيد تحت مظلة النظام بعد انحسار مدها وغياب شمسها. المظاهرات اليوم أصبحت مليونية، وهناك حديث عن انشقاقات في الجيش وانحياز المزيد للمعارضة، وهذه نتيجة طبيعية تماما، فسقوط المزيد من الجثث لن يرفع معنويات الموالين للنظام، بل حتى هؤلاء سيصيبهم الملل واليأس مع الوقت، لكل هذا يبدو أننا في الجزء الأخير من مسرحية حزب البعث السوري.