انتظرها على شوق لما تحمله من البشرى، أوصاها بلطف أن تلم بصفات المخطوبة، ومن سيكون كوالدته في النصح له، ومع ذاك فهو متشوق لمعرفة كل شيء. عادت الوالدة وقبل أن يبادرها بالأسئلة أخبرته الخبر قالت موجزة: مناسبة يا بني ولا تسألني عن التفاصيل، لم يشأ أن يعكر على والدته بهجتها وأخذ في تلمح صورة العروس فتخيلها ممشوقة القوام طويلة حوراء أسيلة الخدين. رتب والداه موعدا يزورون فيه أهل المخطوبة ليراها وعند دخول المخطوبة لم يجد كثيرا من ملامح الجمال الذي رسمه في مخيلته إلا أنه رأى وسط ضباب خيبة الأمل ما جذب روحه إلى روحها، إن ما لمحه من سماحة وجهها وتفرسه لين خلقها وتواضعها وصدقها. وبعد شهر بنى بامرأته. مضت شهور تتلوها شهور ولمس من زوجته حدبا عليه، وبدت مخايل وفائها وصدق ودادها كان حنانها أيام مرضه ينسكب في همساتها ونظرتها ولمساتها وتواسيه ليالي إخفاقه في مسيرته الوظيفية، إن لها عقل رشيد وبصيرة، يؤنسه حديثها ويفرحه سمو أخلاقها لقد استطاعت أول أيام زواجهما أن تطرق أبواب قلبه بحنو على مهل وفي شهور سكنت قلبا لم يهو امرأة قبلها، دون أن تتكلف غرس معاني حبه لها وذلك كان بجمال روحي ودلال في تودد حتى وجد في نفسه يوما شعورا بأنها كل شيء في حياته. أحبتي القراء هناك ارتباط بين جمال الروح والبدن لكن البعض يخطئ حينما يقصر الجمال على أحد النوعين فلا ينبغي للشاب ولا للفتاة حينما يفكران في الزواج أن يغفلا العناية بكلى النوعين من الجمال لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية نظر الخاطب للمخطوبة وكذلك نظرها إليه وأن التوافق ليس مبعثه جمال الصورة فحسب وإنما جمال الصورة والروح معا. ففي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والنسائي والترمذي وأحمد في مسنده واللفظ له عن المغيرة بن شعبة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له امرأة أخطبها فقال اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما قال فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما كرها ذلك قال فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر فانظر وإلا فإني أنشدك كأنها عظمت ذلك عليه قال فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها. وتلاحظ أنه عليه الصلاة والسلام قال «فإنه أجدر أن يؤدم بينكما» فجعل النبي عليه الصلاة والسلام النظر من كلا الطرفين سبب في ما يأمل من التوافق بينهما فأنت ترى المغيرة في هذا الحديث يقول «فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها». قلت ولا ريب أنه إذا لم يجد أحد الطرفين ما يرغبه في الآخر فسيفصح بطريق ما عن انصراف قلبه عن ذلك الزواج. * المشرف العام على الدعوة والإرشاد في المدينةالمنورة وخطيب جامع الخندق. [email protected]