وكأن (جماهير الأهلي) يحذرون اللاعبين ويردون على (درويش) احذروا من جوعي ومن غضبي، لا يمكنك أن تزيف في المشهد، خاصة إذا كان هذا المشهد مباشرا، ولا يمكنك أن توصف ما لم يحدث إذا كان الحدث مشاهدا.. هكذا كانت الحقيقة مساء الجمعة، هي فعلا (حفلا) يتعب نفسه من يناقش سر إبداعه، لكن من كان حاضرا داخل هذا المشهد لا بد أن يكون راويا، ويسند (رواية) كانت حد الكمال كتبها طرفان (عاشقون وعاشق)؛ وأقصد بالعاشقين الجمهور (مجانين الأهلي) الذين قدموا أنموذجا آخر في أولويات الأهلي المشهود بها، لن أقول نظرية لأنهم سبق أن عمموها، هذا الجمهور الذي وجه رسالته مبكرا للفريق والإدارة؛ لم تكن غضبا أو نفورا بقدر ما كان حضورا طاغيا تحاول فيه إعادة الدماء إلى شرايين الأقدام، هذه الجماهير التي استمطرت الفرح وجعلته (مساء الجمعة) غيمة تسقي تراب الوطن من مائه إلى مائه، وموسيقى صاخبة عُزفت في بيت العائلة الكبير فاستمتعت كل منازل الوطن، يظل الأهلي يؤمن بالحضور الصامت فصخب عشاقه تسبقه كإرهاصات تنذر ب(أزمة) لا بد من إدارتها، وكان هذا الصخب أيضا يحفز الأجيال على التحصيل بشغف فجائزتهم (كأس المليك)، لذلك حينما كان الموعد كانت كل أجيال الأهلي في ذاك المساء بما يشبه حفل تخرج أجيال وانضمام أجيال أخرى، ملوحين بشهادات التفوق وتطلب الهدية. لم يكن (سلمان الجهني) وحيدا يحمل تميزه، بل كان نيابة عن كل أقرانه في منازلهم يلوحون للشاشات بامتيازهم، هذا الموقف الذي استشعره مبكرا (خريج المدرج الراقي) وصاحب التجربة الثرية في الحراك الرياضي، وهو الذي يحمل إرثا من القراءة المتأنية في (إدارة الأزمات) ويلمس بوادرها والقادر على صياغة حلها. إن المرحلة كانت تستوجب أكثر من مختص في مجالات مختلفة، وحساب كل عامل بدقة، وتحديد التصرف المطلوب بسرعة وتناسق، وعدم ترك الأمور للصدف، كان يؤمن بأن معالجة الأزمة وتغيير الحالة تقوم على أساس أن الأقربين هم الأقدر على توفير الحل المناسب، وبالتالي تغيير الواقع، إن الواقع الذي سبق لقاء الجمعة كان أيضا يتطلب العمل على ثنائية (الفرد والجماعي). لقد مارس (كبيرهم) ما يسمى بتنفيس الأزمة؛ وهي تعني تنفيس الضغوط داخل الأنفس والتخفيف من غليان التوتر وتبريد الغضب، لقد كان معهم خلال الفترة السابقة، ساعة بساعة، مارس الاحتياط التعبوي من خلال تحديد التصرف المطلوب من كل لاعب وتهيئته لمواجهة الموقف، كما أنه حدد مكامن الخلل ومواطن الضعف وكون لها حلولا مختلفة، مارس طريقة المشاركة التفاعلية للتعامل مع الموقف؛ وهي طريقة تعتبر أسرع تأثيرا وفي أقل وقت ممكن، يكون محورها العنصر البشري وتتكئ على طريقة الإفصاح وعن خطورة الحدث وكيفية التعامل معه، لقد استجمع كل إرثه المعرفي ووضعه أمامهم كدروس يستفاد منها. لقد كان للثنائي اليد الطولى لمعانقة الذهب مجددا من خلال نجاحهما في فن إدارة الأزمة ورفع كفاءة وقدرة الأقدام وتطويرها لمستوى صنع الحدث، وهو ما بدأه (مجانين الأهلي) مسجلين كأول حالة رياضية تستطيع تغيير طريقة وموقف الفريق والذهاب به لدرجات المنصة وليس انتهاء بالعاشق كأحد خريجي المدرج الجنوبي.. ألم يسابق الجمهور للقلعة في شارع التحلية ولم يكتف بتهاني القصر.. إنها فعلا كانت حفلة تسليم المجد للأجيال القادمة، وحفل مسؤولية الحفاظ على التاريخ (الأهلي). للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 169 مسافة ثم الرسالة