عندما ذهبت للقاء صاحبة السمو الملكي الأميرة الدكتورة نجلاء بنت سعود بن عبدالعزيز تملكتني الحيرة في نوعية الحوار هل سيكون علميا بحتا أم شخصيا يستعرض ذكرياتها عن والدها الملك سعود رحمه الله وأثر وصيته في تكوينها وشخصيتها وتحصيلها العلمي. لكنني حزمت أمري وقررت أن يكون حوارا شاملا خلط بين الحديث عن منجزها العلمي، وشخصي استعرضت من خلاله الذكريات التي تحملها عن والدها، وأثر والدتها وأخواتها وإخوانها في ما وصلت إليه من تحصيل علمي وإنجاز بحثي غير مسبوق على مستوى المملكة والخليج. لن أطيل في مقدمتي سأترك كل الاستفهامات والاستفسارات معلقة لتتولى الأميرة الدكتورة نجلاء الإجابة عليها في أول حوار صحافي لها بعد نيلها درجة الدكتوراه من جامعة الملك عبدالعزيز في الفلسفة في العلوم مايكروبايولوجي على رسالتها التي ناقشت تشخيص فيروس الطيور H5N1 بطريقة سعودية تحت عنوان «النمط الوراثي الجزئي لفيروس أنفلونزا الطيور H5N1 بأساليب الوراثة الجزئية» والتي تعد أول رسالة دكتوراه في المملكة والخليج تناقش هذا الموضوع، فإلى تفاصيل الحوار: • ما اللقب الذي تفضلين أن يناديك الناس به؟ رغم اعتزازي وفخري بالاسم الذي أحمله إلا أنني تعبت حتى نلت لقب الدكتوراه وفخورة به أيضا وأحب أن يناديني الناس به. • بماذا تحبين أن تعرفي نفسك؟ أنا مواطنة سعودية تتمنى خدمة وطنها. • حدثينا عن ذكريات الطفولة وعلاقتها برسالتك وهل كانت مناقشة القضايا العلمية رغبة في داخلك وأنت صغيرة؟ في بداية تعليمي كنت أتمنى الحصول على درجات جيدة، لكني كنت أحب القضايا التي أتمكن من فهمها وليست التي أحفظها، من هنا بدأت أكتشف أنني منفتحة على الجانب العلمي أكثر من الجانب الأدبي لأني أميل إلى الفهم والاستيعاب أكثر من الحفظ والتلقين. • هل كانت لك محاولات أثناء دراستك الجامعية في أي بحوث أو محاولات علمية؟ أبدا، كانت الدراسة هي همي الوحيد، وربما أكون قد اخترت مجالا صعبا حيث كانت معرفة البكتيريا والفيروسات اكتشافا بالنسبة لي، وكان لدي فضول لمعرفة هذه الأشياء وكيفية تكاثرها ونقلها للعدوى، وفي مرحلة البكالوريوس كانت مقتصرة على هذا الجانب. أما مرحلة الماجستير فقد كانت في جامعة الملك عبد العزيز في العلوم والفيروسات بالتحديد. وفي مرحلة الدكتوراه كنت أود التخصص في بعض الأمراض الحديثة مثل الإيدز ونقص المناعة لكنها لم تكن متوفرة حينها، فأكملت تخصصي في الفيروسات والأحياء الدقيقة. • بالنسبة للدكتوراه لماذا اخترت مجال أنفلونزا الطيور بالذات؟ كان هناك دافع ولايزال فهذا المرض مخيف للكثيرين حيث أحدث قلقا في العالم كله وحدثت بسببه وفيات عديدة لذلك وقع اختياري عليه وألهمني الله أن أجعل الدراسة مركزة على المملكة بالتحديد، وقد وصلت إلى نتيجة ستساعد الجهات المعنية حيث وصلنا لمعرفة السلالات الموجودة في المملكة. السلالات السعودية • تخصصت في السلالات السعودية، وهذا كان له فضل السبق في براءة الاختراع، هل سيكون ذلك موضع بحث تستفيد منه الدول المجاورة؟ بالتأكيد فهذا الاختراع يطبق على المملكة لأنه مختص بالسلالات السعودية، وهذا الكشف يمكن تطبيقه على الدول المجاورة وبعد التعديل يمكن تطبيقه لكل الدول، كما أنه يمكن أن يكتشف نفس الفيروس في أماكن أخرى. • هل ترين أن الجامعات السعودية مهيأة لمثل هذه الاكتشافات أم أن مثل هذا الاكتشاف يحتاج لبيئة علمية خاصة؟ الجامعات السعودية مهيأة حاليا لمثل هذه الدراسات في جامعة الملك عبد العزيز وجامعة كاوست، وفي البداية ربما كانت التسهيلات والأدوات غير موجودة لكن في الوقت الحالي كل الإمكانات متوفرة. كما أن كليات الزراعة والصيدلة فيها نشاط كبير وتقوم بدراسات وأبحاث عديدة، ووزارة الزراعة مثلا تستفيد كثيرا من مثل هذه الدراسات التي لن تكون مكلفة عند تطبيقها، فالكشف في مزارع الطيور سيكون سهلا بدلا من إرسالها خارج المملكة ولن تحتاج سوى ساعات قليلة بدلا من عدة أيام. أما بالنسبة للبشر فسيكون الفحص أيضا أقل تكلفة، وعندما ظهر المرض لأول مرة كان الكشف يستغرق عدة أيام أيضا ولن يحتاج الكشف سوى ساعات قليلة أيضا، وهذه الفحوصات تفيد وزارة الزراعة بالنسبة للطيور ووزارة الصحة بالنسبة للبشر. فائدة البحث • هل اتصلت بك هذه الوزارات للاستفادة من هذه الأبحاث؟ حاليا أنا في إجازة، لكن في المستقبل القريب سوف يحدث ذلك بالتأكيد، فنتائج الدراسة عبارة عن اكتشاف جديد نتمنى أن تتبناها كل من وزارة الزراعة ووزارة الصحة لأنها توفر مصاريف كثيرة، وهذا يجنب المملكة من مخاطر المرض عند انتشاره لأنه يحد من المخاطرة ويمكن من سرعة المحاصرة. • لماذا نجد أن هذه الدراسات العلمية قليلة في المملكة والدول العربية على وجه العموم بينما نجدها متوفرة في الغرب؟ هذا سؤال محير، هناك بحوث علمية كثيرة ومراكز بحوث متميزة كما أن القوى البشرية متوفرة ولله الحمد، ونحن لدينا عقول متفوقة ومتفرغة، ربما السبب هو غياب التوعية بأهمية البحث العلمي، وأعرف كثيرا من الطلاب في الكليات العلمية ومراكز الأبحاث ولهم إمكانات متميزة لكنهم يحتاجون للتوجيه والتحفيز. عندما كنت أذهب لمعامل خارج المملكة كنت أفاجأ بأن معاملنا السعودية مجهزة بصورة أفضل بكثير لكنها للأسف غير مستغلة بصورة كاملة. • هل ترين أن الضعف في الكادر التعليمي الذي لم يستغل قدرات الطلاب أم أن إمكانات الطلاب أنفسهم ضعيفة؟ السبب هو غياب الثقافة الأكاديمية، لأن الطلاب يحتاجون للتوجيه والدعم المتواصل. فالتعليم بصوره الحديثة يعتمد على البحث بدلا من طريقة الاختبارات التقليدية، والبحوث التي يقدمها الطلاب ليس فقط المطلوب أن ينالوا عليها درجات ولكن تبني أبحاثهم وتنمية ثقافة البحث العلمي لديهم، وهناك توجيه من الدولة في هذا الاتجاه لكنا نتمنى استمراره وزيادته. • ولكن هل طريقة التقييم المستمر سوف تضعف ذلك التوجه وتتسبب في هزة للتعليم؟ هذه الطريقة لاتساعد على إبداع واستغلال طاقات الباحث ففي أوروبا عندما يقوم الطالب بعمل مشروع في أثناء دراسته فإن المشرفين عليه يتبنون أبحاثه ويقدمونها للمجتمع العلمي للاستفادة منها، وليس من الكافي أن يقوم الطالب بالحفظ فقط، وهذا الأسلوب ينطبق على جميع العلوم، وحتى في اختبارات اللغة فإن كل الاختبارات تعتمد على البحوث، وهذه هي طريقة التعليم الحديث، ومن المهم أن نحدد للطلاب نقطة الانطلاق من حيث انتهت بحوث الآخرين. وأبحاثي كانت على هذا النحو، فعندما بدأت البحث بدأت من حيث انتهت البحوث التي قام بها آخرون وبدأنا بعمل المقارنات والنظر في السلالات وكانت البداية من عند النقطة التي توقف عندها الآخرون. وهناك بروتوكولات أكاديمية ينبغي تطبيقها وتشجيع الطلاب على البحث العلمي، وحتى في المدارس ليس شرطا أن يصبح الطالب عالما ويمكن أن يصبح باحثا أو مبدعا في أي مجال يختاره، لكن طريقة القص واللصق والحفظ والتلقين لن تجدي ولن يفعل الطالب أكثر من أن يحفظ ما أنجزه الآخرون ويقوم بتسميعه. معلومات الرسالة • كم استغرقت مدة رسالة الدكتوراه؟ ثلاث سنوات ونصف. • هل احتجت للسفر خارج المملكة خلال هذه الفترة؟ نعم بالطبع، سافرت إلى مصر حيث توجد معامل في جامعة 6 أكتوبر وهناك عقول جبارة وكوادر متميزة ومن الغريب أن لدينا هذه العقول وإمكانياتنا تفوق ماشهدته بكثير في تلك المعامل. • هل كان البحث محفزا لزميلاتك؟ نعم وكلهن شجعنني وكثيرات عرضن أن يعملن معي كفريق علمي واحد وهناك كثيرات عرضن خدماتهن ومساعدتهن لي وأتمنى أن نشكل كشباب وشابات فرقا علمية متميزة. • من الذي كان يمثل بالنسبة لك الحافز والداعم وكان دافعا لك لإكمال المشوار رغم كل التحديات؟ كثيرون وأول شخص هي والدتي أطال الله عمرها، وكانت تقول لي رغم أنك ابنة ملك لكن ينبغي أن تعلمي أن ذلك لا يغنيك عن التميز وأن الإنسان يتميز بما يحققه. ربتنا والدتي على ذلك. هناك أيضا إخواني الأمير حمود بن سعود والأمير مشاري بن سعود أمير منطقه الباحة والأميرة مهرة بنت سعود والأميرة هند بنت سعود، أختي مها، وكثيرات من صديقاتي عدوية الحمراني ريم صبان، نورة الملحوق، منى با قعر. • ما هي طموحاتك المستقبلية التي تسعين لتحقيقها؟ أتمنى تشكيل فرق علمية من زملائي وزميلاتي للعمل كفريق بحث لكي نوفر فرصا لكل طالب أو طالبة لايجدون ويملكون الموهبة والطموح بمساعدتهم لتحقيق طموحاتهم العلمية والعملية وذلك بإنشاء مركز أبحاث. • هل من طموحك أن تصبحي أستاذة جامعية في يوم من الأيام أم أنك سوف تتفرغين للبحث العلمي؟ بصراحة أتمنى الاثنين معا، لكني أركز على مواصلة السير في هذا المجال وإكمال ما توصلت إليه من نتائج وأبحاث وأتمنى أن يستفيد الشعب والدولة منها. في أي مكان أتمكن من الإفادة فيه فسوف أكون موجودة. ذكريات شخصية • نعود للمجال الشخصي وأسألك عن ذكرياتك مع الوالد وكم كان سنك عندما توفي؟ للأسف لا أذكره وطوال الوقت أسمع عنه من والدتي وإخواني وأخواتي الذين يفوقونني سنا، كما قرأت عن سيرته الذاتية سواء كأب أو رجل دولة، يقولون عنه دائما أبو خيرين لأنه كان قريبا جدا من شعبه وقريبا من الناس. أنا فخورة كوني ابنته وأشعر بأنه كان سيكون سعيدا لو كان على قيد الحياة. الملك سعود أول من أمر بتعليم المرأة في المملكة. وأول مدرسة نظامية للبنات كانت في عهدة بالناصرية (مكان إقامته رحمه الله إن شاء الله) في الرياض، وقام بتعليم بناته وكل من كان يريد الالتحاق بالتعليم حينها من العائلات لأنه سيكون قدوة. فبداية البنية التحتية لتعليم المرأة تأسست في عهده، وأول تصريح بتأسيس مدرسة بنات كانت في عهده. كثير من أخواتي تلقين تعليمهن في تلك المدرسة، وأول جامعة تأسست في المملكة هي جامعة الملك سعود. الامتداد العلمي • ماذا عن تأثير والدتك عليك؟ تأثيرها كبير لأنها قامت بدور الوالد والوالدة، وتأثيرها هو الأساس لكل ما وصلت إليه، كانت ولازالت مهتمة بالتعليم لأنه وصية الوالد، وتركز لنا على أن التعليم هو الذي يفيد الإنسان ويطور تفكيره ويساعده على تقديم الكثير لبلاده، كانت الركيزة الأساسية في تعليمي وإخوتي، ولا أستطيع أن أقول شيئا سوى أن أدعو لها بطول العمر والصحة، وأقول حفظها الله لنا. • شهدنا كثيرا ظهور عالمات وشخصيات نسائية متميزة ولاسيما في عهد الملك عبد الله الذي فتح الباب على مصراعيه للمرأة ودعمها بصورة كبيرة .. هل تعتبرين نفسك امتدادا لهؤلاء الذين استفدن من دعم خادم الحرمين الشريفين؟ بالتأكيد، وأتمنى أن أقدم الشيء الكثير والفضل يرجع بعد الله لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في تشجيع المرأة وتكريمها حتى تصل لأعلى المستويات. أتمنى أن أكون مثل هذه النماذج المتميزة. • كيف وجدت التفاعل مع ما حققته؟ جاءتني التهاني من جميع الشخصيات وكانت مشاعر صادقة وأحسست بأن كلا منهم يشعر بأن هذا الإنجاز يخصه شخصيا، سأتشرف بطلب مقابلته وإخباره بأن هذا الإنجاز تحقق نتيجة دعمه للمرأة السعودية وفتح المجالات لها. • ما هي نصيحتك التي تقدمينها لأخواتك من بنات المملكة؟ أقول لهن أن يعتمدن على الله عز وجل، وهناك صعوبات كثيرة تقابل الإنسان وشخصيا واجهتني صعوبات كثيرة تمكنت من التغلب عليها بفضل الله، وأريد منهن أن يواصلن نحو أهدافهن وأن لا ييأسن. • هل هناك شكر تودين توجيهه لأحد سواء من أفراد أسرتك أو من الكادر التدريسي؟ أتقدم بالشكر لخادم الحرمين الشريفين لإتاحته الفرصة للمرأة السعودية كي تتقدم وتتطور وتشارك في تنمية وطنها، وبعد ذلك أشكر جامعة الملك عبد العزيز وكل الأساتذة. وكل من ساعدني سواء في قسم العلوم بكلية الأحياء في جامعة الملك عبد العزيز أو في كلية التقنية العضوية بالجامعة المصرية لأن كل هؤلاء يعتبرون رفاقا في المشوار.. • الجوائز العلمية تعتبر من المحفزات الرئيسية للعلماء والأكاديميين وللأسف فإن قلة من العلماء العرب هم الذين حققوا تلك الجوائز، هل تطمح الدكتورة نجلاء في هذه الجوائز؟ نعم أتمنى ذلك لرفعة بلادي وسيكون ذلك تكريما للمملكة. ولكن في بداية مشواري أتمنى إثبات نفسي علميا والحصول على جوائز من بلدي أولا، ومن ثم تحقيق مكاسب للمملكة من خلال حصد الجوائز العلمية القيمة على مستوى العالم.