مضت أربعة أشهر منذ أن قرر الشعب الليبي بأنه لن يقبل حرمانه من حرياته الأساسية، و90 يوما منذ انطلاق العمليات بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) للحؤول دون وقوع مجزرة وحشية في بنغازي، ومنع مذابح كالتي شهدناها في سريبرينيتشا عام 1995. ولقد كان للعمليات العسكرية في ليبيا هدف واحد منذ بداية انطلاقها، وهو حماية المدنيين من الإجراءات القاتلة التي يتخذها نظام القذافي، وقد أدت هذه العمليات إلى إنقاذ أعداد لا تحصى من الأرواح البشرية، وبينما نحن نتذكر هذه المرحلة المهمة ونتدبر فيما تحقق من إنجاز، فإنه يمكنه القول إنه من الواضح أن الإجراءات التي نتخذها ضد نظام القذاقي مازالت ضرورية وقانونية وصحيحة. ولهذا فإن المجتمع الدولي مازال متحدا، فهناك 18 دولة مشاركة في العمليات العسكرية، والكثير منها من خارج حلف الناتو ومن المنطقة أيضا. وخلال اجتماعات فريق الاتصال حول ليبيا أدركت أكثر من 40 دولة ومنظمة دولية شاركت في الاجتماعات، بأن معمر القذافي فقد كل شرعيته وعليه أن يرحل، كما أن روسيا متفقة مع الإجماع الدولي المتنامي على هذا الطرح كما اتضح من بيان مجموعة الثماني في دونفيل الذي طالب أيضا برحيل القذافي. لقد كنا واضحين منذ البداية بأننا سوف نقف إلى جانب الشعب الليبي لتحقيق تطلعاته المشروعة، وقد برهنا وقوفنا إلى جانبه من خلال عملياتنا العسكرية في محيط بنغازي وفي مصراتة وغيرهما من المدن الليبية، كما برهنا ذلك من خلال زيادة الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية على نظام القذافي، حيث فرضت الأممالمتحدة نظام عقوبات شاملا يتضمن تجميد الأرصدة، كما تم فرض منع سفر وحرمان القذافي من الأسلحة والنفط اللازمين لاستمراره بحملته العسكرية. والقنوات الفضائية التي تنفث الحملات الدعائية للنظام قد منعت من البث عبر الأقمار الصناعية. وترفض الدول استقبال وفود النظام، كما طرد الدبلوماسيون الموالون له، وأصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد ثلاثة من قادة العصبة، بمن فيهم القذافي نفسه. الوقت يسير ضد النظام وفي صالح الشعب الليبي. والآن مع مرور 90 يوما من الواضح أن هذه الاستراتيجية ذات القاعدة العريضة تحقق نتائج إيجابية، وتمثل بداية النهاية لنظام القذافي، حيث تواجه قوات القذافي التقهقر في كافة أنحاء ليبيا. كما تم تخفيف المعاناة الفظيعة التي عانى منها أهالي مصراته، وفي الأيام الأخيرة دفعت المعارضة أتباع القذافي إلى خارج ضواحي مدينة الزاوية، ومنعت النظام من معاودة السيطرة على المعابر الحدودية المهمة المؤدية إلى تونس في غرب ليبيا. إن نظام القذافي والمقربين منه يتداعون من حوله. وبعد انشقاق سلسة من الوزراء رفيعي المستوى عن النظام، انشق عنه أيضا عشرة من كبار الضباط العسكريين، ما يعتبر مؤشرا واضحا على أن القذافي لن يتمكن بعد الآن من الاعتماد على جيشه؛ لقد هجره بالفعل من يعنيهم أمر ليبيا ومصلحتها. لقد ذهبت في زيارة إلى بنغازي منذ أسبوعين للاجتماع بكبار المسؤولين في المجلس الوطني الانتقالي المعارض، وشاهدت خلال زيارتي ليبيا التي تختلف عن تلك التي خضعت لقمع القذافي لسنوات طويلة، كما لمست رؤية بديلة لليبيا منفتحة وتعددية وديموقراطية تعتمد على ثروة الموارد الطبيعية للبلاد وقوة وعزم شعبها، وشاهدت كذلك مجتمعا مدنيا مزدهرا ولد من رحم الرغبة بتحقيق مستقبل أفضل. واستمعت لمطالبات ولمست طموحا صادقا لأجل أن يحقق الليبيون في أنحاء البلاد حياة جديدة تخلو من طغيان الشرطة السرية والفلسفة السياسية المليئة بالمهاترات والاقتصاد المدار من قبل الدولة، كما لمست رغبة عميقة لهذه التغييرات التي نشهد التعبير عنها في بعض أرجاء العالم العربي من سوريا وحتى اليمن وغيرها. لقد شهدت روح ذلك الربيع العربي نفسه في ليبيا. هذه الروح يجب ألا تخمد، بل علينا تكثيف جهودنا لضمان أن يتمكن كافة الليبيين من تحقيقها؛ لكن للوصول لتلك المرحلة يحتاج المجلس الوطني الانتقالي والشعب الليبي لدعم دولي كبير، فهم بحاجة للتمويل لتلبية احتياجاتهم الأساسية، فقد استولى نظام القذافي بإدارته على اقتصاد الدولة وعلى أرباح الاقتصاد الليبي ليودعها في حسابات خارجية خاصة جمدتها الآن عقوبات الأممالمتحدة. والوضع الأمني الراهن يعني بأن ليس باستطاعة المعارضة بعد تصدير النفط لتأمين تدفق مستدام من العائدات، وبالتالي أهيب بكل من يريد أن يرى التغيير في ليبيا المساهمة في الصندوق المؤقت الذي أعلن عن تأسيسه في الأسبوع الماضي خلال اجتماع فريق الاتصال في أبو ظبي. وبينما نظام القذافي يتصدع، فإننا بحاجة للاستمرار بتصعيد الضغوط عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا. وكل دولة ومنظمة دولية تسهم بقوى مختلفة في هذه الحملة. فالدور الذي يلعبه حلف الناتو مازال محوريا. فهي المنظمة الوحيدة التي لديها الإرادة والإمكانية العسكرية لاتخاذ إجراء، إلا أن مهمته ما كان لها أن تكون ممكنة بدون الإمكانات العسكرية والثقل السياسي للولايات المتحدة، وتولت المملكة المتحدة الدور القيادي منذ البداية في كل من الحملتين العسكرية والدبلوماسية، وقد أضفنا الآن مروحيات الأباتشي الهجومية إلى قائمة القدرات المتاحة تحت تصرف الناتو، وسوف تستمر المملكة المتحدة بثقلها عسكريا، إلى جانب قيادة الجهود الدبلوماسية عبر فريق الاتصال حول ليبيا، وبتزويد المعارضة بمواد غير فتاكة، وعلينا جميعا الاستمرار بالضغوط ومواصلة عزمنا لكي تصبح ليبيا كما يريد ويستحق شعبها أن تكون. (مقالة خاصة لعكاظ)