يشكل توظيف السعوديين في القطاع الخاص تحديا كبيرا لوزارة العمل، خصوصا في ظل وجود أكثر من 9 ملايين أجنبي وهو الأمر الذي دعاها إلى إطلاق برنامج نطاقات الذي يتوقع أن يخلق ديناميكية تزيد من فرص توطين الوظائف للسعوديين، الأمر الذي يمنح حوافز تشجيعية للشركات الواقعة في النطاقين الممتاز والأخضر، فمقابل عمالة أكثر وتأشيرات أكثر توظيف سعوديين بشكل أكبر، وفق آلية طردية فكلما طلبت الشركة عمالة أكثر لابد من أن ترفع نسبة توظيف السعوديين لتظل داخل النطاق الممتاز وإلا فإنها ستخرج من هذا النطاق إلى النطاق الأقل درجة وهكذا حتى تصل إلى الأحمر، وعندها تكتفي بالعمالة الموجودة بدون أن يحق لها الاستقدام. «عكاظ» تفتح ملف توظيف السعوديين وتوطين الوظائف، فحملت هذا الملف بكل محاوره إلى عدد من المختصين والخبراء في التخطيط والتطوير الإداري الذين أجمعوا على أن برنامج نطاقات، إذا ما طبق بشكل جدي، سيقود بدون شك إلى عملية توطين سهلة للوظائف. القضاء على البطالة بداية، رأى مدير مكتب العمل المكلف في جدة عبدالقادر الغامدي أن خطة التوظيف المباشر، التي بدأ مكتب العمل في جدة انتهاجها أثمرت حتى الآن توظيف 8000 طالب في فترة زمنية لم تتجاوز العام. وأضاف أن توظيف السعوديين والقضاء على البطالة يمثلان الهاجس الأكبر للوزارة، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج إلى تكاتف الجهود، سواء داخل الوزارة أو المجتمع أو القطاع الخاص، بالتعاون مع الأطراف المعنيين، الأمر الذي سيكون له بالغ الأثر في استشراف المستقبل في سبيل القضاء على البطالة. وأشار إلى أن عملية التوظيف تحتاج إلى إعادة نظر بين وقت وآخر، من خلال استخلاص الدروس والنظر إلى ما يتحقق وتقييمه ومحاولة تفعيل الإيجابيات وتجنب السلبيات. وأضاف أن مكتب العمل في جدة عمل على تطوير بعض الأساليب والإجراءات التي تخدم عملية التوظيف، في محاولة منه لإرضاء أطراف الشراكة الاستراتيجية وهم طالبو العمل، أرباب العمل، والوزارة بصفتها الجهة التي تسير دفة السعودة، فكان هذا الجهد، الذي يمثل من وجهة نظرنا، نقلة نوعية في التوفيق بين طالبي العمل وأصحاب الأعمال، مشيرا إلى أن هذه التجربة تمثل إضافة مهمة فرضتها ظروف الواقع وهو شعورنا بالحجة إلى التطوير. وأشار الغامدي إلى أن الآلية التي كان يتبعها المكتب والتي تتمثل في ترشيح طالبي العمل بخطاب الترشيح إلى المنشآت ورغم إيجابياتها، كان يعتريها بعض القصور، خصوصا في عملية الترشيح نفسها، حيث لم تكن دقيقة في الاختيار نظرا للعدد الكبير لطالبي العمل الذين يتم استقبالهم، وبالتالي فإن الوقت قد لا يسعف الموظف في أخذ فرصة كافية في عمل المقابلة الشخصية مع طالب الوظيفة وربط مؤهلاته وكفاءاته بما هو معروض من الوظائف، ولاسيما في المكاتب الكبيرة مثل مكتب جدة، إضافة إلى عدم إلمامه بطبيعة العمل وواقعه في المنشأة. وأضاف أن الأمر الآخر والأهم هو التسويق الذي يواجهه طالب العمل من بعض المنشآت التي ترشح عليها، فعندما يصل خطاب الترشيح الخاص به إلى المسؤول يدخل في سلسلة من المواعيد والمماطلات، فتارة المدير غير موجود، وأخرى راجعنا بعد أسبوع، وثالثة دع ملفك وسنتصل بك أو نعتذر لك لأنك غير مناسب للوظيفة. التوظيف المباشر وقال إنه ولتلافي هذه الإشكالية جهزنا مكتبا لاستقبال مديري الموارد البشرية أو مديري شؤون العاملين في المنشآت لعرض الفرص الوظيفية التي يتفق عليها مسبقا بين إدارة التوظيف والمنشأة، ويجري من خلال ذلك عمل مقابلة بين طالب العمل ومسؤول المنشأة في مكان هادئ، يتحدث أحدهما مع الآخر دون تحفظ وبوضوح، فالمنشأة تعرض الفرص التي لديها وتوضح تفاصيلها مثل المكان والأجر والبدلات وفترات العمل أمام طالب الوظيفة الذي يقوم هو بدوره في تسويق نفسه من خلال مؤهلاته ومهاراته وخبراته. وأضاف «في البداية انطلقنا بمكتب واحد وأصحب لدينا الآن 4 مكاتب مجهزة بشكل حضاري تستقبل يوميا 4 أو 5 منشآت تعرض فرصها الوظيفية بشكل مجدول من الساعة 9 صباحا إلى 12 ظهرا». وتابع «لم نكتف بذلك فقط فقد نسقنا مع المنشآت الكبيرة التي تضم موارد بشرية كبيرة بعرض فرصها بشكل أسبوعي، وذلك بتحديد يوم واحد في الأسبوع تحضر فيه المنشأة، ويتخلل هذا اليوم حل الإشكاليات التي قد تواجه المنشأة أو المكتب أو طالب العمل في بحر الأسبوع الذي سبقه». وشدد على أن ما سبق كان ثمرة جهد احترافي نال استحسان طالب العمل وصاحب العمل، مشيرا إلى أنه من خلال هذه الآلية التي قارب تنفيذها على السنة بلغ عدد الشركات التي تقدمت بطلبات إجراء مقابلات من خلال هذه الآلية 261 منشأة، استقطبت 8000 طالب عمل حتى نهاية يوم 13/7/1432ه. التدريب أولا وأخيرا أما المدير التنفيذي لقطاع السعودة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة عابد عقاد فرأى أن برنامج نطاقات سد الكثير من الثغرات التي كانت موجوة في السابق، معربا عن الأمل في أن يساهم في توظيف أكبر عدد من السعوديين. وأضاف أنه لتحقيق ذلك هناك ضرورة للتركيز على التأهيل الذي يحصل من خلال التدريب المستمر لطالب العمل من خلال برامج تدريبية تواكب احتياج سوق العمل ومقدمة من جهات بشكل احترافي. وقال إن المطلوب إضافة إلى ذلك العمل على تعزيز ثقافة العمل لدى الشباب السعودي وتربيتهم على أن العمل في القطاع فيه الكثير من المزايا والمحفزات، ولكنه يبحث عن الجادين والجادين فقط مع التأكد المستمر على الولاء للمنشأة التي يعملون فيها من خلال تقديم الحوافز وبث روح الفريق الواحد المتعاون وتحويلهم إلى شركاء في النجاح وهذا ما نفتقده في كثير من المنشآت. وشدد على ضرورة التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، خصوصا في مجالي التعليم الأهلي والقطاع الخاص، معتبرا أن أكبر مشكلة يعاني منها قطاع التعليم الأهلي والمستشفيات الخاصة هي التسرب الوظيفي، مشيرا إلى أنه بعد تدريب الموظف وتعيينه واستمراره لفترة، وفور أن يحصل على التعيين في القطاع الحكومي يغادر القطاع الخاص دون إشعار مسبق، حتى لو كان هذا في منتصف العام ما يتسبب في إشكاليات كبيرة للمنشأة. ورد العقاد على القائلين بأن الرواتب في القطاع الخاص، خصوصا المدرسين أقل منها في القطاع الحكومي بالقول إن هناك حلا وهو حد أدنى للأجور في القطاع الخاص يتماشى مع رواتب المعلمين في القطاع الحكومي، مؤكدا أنه بهذا الشكل نقضي على مشكلة تفاوت الأجور. المسؤولية على 3 جهات من جانبه، رأى خبير التخطيط والتطوير الإداري عصام أحمد زايد أن هناك ثلاث جهات تتحمل مسؤولية التوظيف وهي الشركات والجهات الحكومية وطالبو العمل أنفسهم. وأوضح أن الشركة أو منشأة القطاع الخاص يقع عليها جزء كبير من المسؤولية، إذ إن عليها توفير الراتب المجزي الذي يتماشى مع الاحتياجات الحياتية اليومية للموظف. وقال إن مقولة «الشاب السعودي لا يعمل» غير صحيحة، والصحيح أن السعودي لا يعمل براتب متدن، وهناك عشرات الأمثلة عن شباب بدأوا بوظائف بسيطة لكنها برواتب مجزية وتدرجوا حتى وصلوا إلى مناصب قيادية، وذلك لم يحصل إلا بعدما وفرت الشركات رواتب مجزية تجعل الشاب يتمسك بالعمل ويحرص على أن يتطور فيه. وأشار إلى ضرورة مراعاة الموقع الجغرافي لسكن طالب العمل ومناسبته مع الراتب الممنوح له فلا يمكن أن ندفع لطالب عمل راتب 3000 ريال تضيع نصفها في المواصلات، إنما يمكن الاستفادة من هذا الشاب في موقع قرب منزله. وعن الجهات الحكومية قال إن دورها كبير ومهم جدا في التوظيف من خلال بإنشاء قاعدة بيانات لجميع الخريجين والمؤهلين لديها وتزويد الشركات بها لبحثها معهم، وإمكانية تطوير هؤلاء الخريجين من خلال البرامج التدريبية التي تتناسب مع الشركات واحتياجها لتقديم شاب مؤهل لا تجد معه شركات القطاع الخاص حجة في عدم توظيفه. أما عن مسؤولية الباحث عن العمل فقال «يجب عليه أن يقدم نفسه بشكل جيد ويبذل جهده لكي يثبت أنه الأحق بالعمل ويعلم يقينا أن القطاع الخاص ما يهمه من الموظف بالدرجة الأولى هو الإنتاجية وجودتها، فإذا ما نجح في تحقيق هذه الإنتاجية وفق معايير الجودة التي يسعى إليها القطاع فليثق تماما أنه لن تفرط الشركة به، ولكن إذا دخل الوظيفة وهو يعتقد بأن هذا حق مكتسب له ولا يبذل أي جهد في تطوير نفسه وقدراته فليعلم أن البديل جاهز».