كنت جالسا إلى جوار أحد كبار السن في انتظار مقابلة القاضي، فالتفت إلي وقال: ما نوع معاملتك يابني؟ أجبته: أراجع للحصول على حجة استحكام. ضحك الرجل ثم قال: كم عمرك؟ قلت: 35 عاما. قال: والله يا ولدي إن معاملتي ما زالت تقبع في هذه المحكمة منذ 36 سنة، أي أن معاملتي أكبر منك! روى الواقعة المواطن سلطان صوفان من أبها عن مسن التقاه قبل ثلاثة أعوام في المحكمة، وهي تنطوي على دلالة عميقة لطول إجراءات الحصول على حجة استحكام في محاكمنا، إذ ما تزال إشكالية التأخير في إنجاز القضايا داخل المحاكم تواصل فصولها، وتبقى قضايا حجج الاستحكام هي الأكثر تأخيرا، فقد يستغرق الحصول على حجة الاستحكام سنوات طويلة، وربما ينقضي عمر المراجع ويفارق الحياة وحجة أرضه أو منزله لا تزال تتأرجح بين دهاليز المحكمة! وقبل الخوض في تفاصيل هذا الملف الشائك، تمثل حجج الاستحكام التسمية النظامية للوثائق الصادرة عن المحاكم استنادا للتملك بطريق الإحياء الشرعي. تعني «حجة الاستحكام» بحسب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخضيري الكاتب المتخصص في التنمية، أن يتقدم شخص معتد على أرض بغض النظر عن مساحتها، ويعمل بها بعض المنشآت البسيطة، ثم يذهب إلى المحكمة ويدعي تملكها، ويأتي بشاهدين على أنه أحيا هذه الأرض، وبعد مداولات ومكاتبات تعتمد على ناظر الحجة، يصدر له ما يسمى ب «حجة استحكام» وتعني وثيقة تملك للأرض بغض النظر عن الاستعمال المعتمد للموقع، أو تأثيره على تنمية المدينة أو القرية التي تقع فيها الأرض، فيما صدرت العديد من الأوامر السامية والقرارات الوزارية التي تؤكد على منع الأخذ بمفهوم إحياء الأرض خصوصا وقد وضع لها وقت زمني منذ عام 1387ه، أصبح يرفض معه الادعاء بإحياء الأرض، وذلك لإعطاء المواطنين الذين لا يملكون ما يثبت تملكهم لأراضيهم الفرصة لاستظهار ذلك التملك. «عكاظ» جالت داخل إحدى المحاكم في منطقة عسير، ورصدت عن كثب ما يعايشه المراجعون من تأخير في إصدار حجج الاستحكام الصكوك: يؤكد المواطن سلطان صوفان: «للأسف الشديد نحن نعاني من التأخير في سبيل الحصول على حجة استحكام، فأنا أركض منذ ثلاثة أعوام وإلى الآن لم أحصل عليها، وذلك بسبب البيروقراطية غير المجدية التي تنتهجها بعض المحاكم مع المراجعين». تشابه أسماء ومن منظور المواطن يحيى المازني من أبها، فإن إجراءات المحاكم بحاجة إلى إعادة نظر «المحاكم لدينا تطول فيها الاجراءات بشكل مبالغ فيه وأنا أراجع في حجة استحكام منذ سبعة أعوام بسبب تشابه في الأسماء بناء على كلام القاضي، وحينما ذهبت إلى رئيس المحاكم اشترط موافقة القاضي لاحالتي»، ويواصل، متسائلا: إلى متى وأنا على هذه الحال؟ مضيفا: «لدينا في عسير مصطلحات لا يعرفها بعض القضاة ولك أن تتخيل أن الجلسة قد تتأخر بسبب عدم معرفة القاضي ببعض المصطلحات». يوم لحجج الاستحكام أما المواطن الذي رمز لاسمه ب«أبو علي» فذكر أن إحدى المحاكم في عسير تخصص يوما واحدا في الأسبوع لأصحاب حجج الاستحكام هو يوم الأربعاء، ورغم حضوره - كما يقول - في يوم الموعد إلا أنه يتفاجأ بشكل شبه أسبوعي بعدم وجود المسؤول المختص عن معاملته وتارة بدعوى تعرضه لظرف وتارة يقولون إن لديه عارضا صحيا وتارة أخرى يخبرونه بأنه في إجازة وآخرها هذه هي المرة الرابعة التي يحضر فيها إلى المحكمة ولا يجد الموظف، متكبدا عناء الحضور دون الخروج بفائدة. وزاد «أبوعلي»: حاولت أن أدخل على القاضي فأرسل مدير مكتبه ليخبرني بأن أحضر الأربعاء القادم ولي الآن قرابة العام والمعاملة لم تصل إلى القاضي. حجج استحكام موقوفة ولم يكن حال المواطن مناحي بن ماضي بأفضل ممن سبقوه فقد ذكر أن لديه معاملة في محكمة الدرب لاستخراج حجة استحكام على منزله الواقع في ظهرة الحمراء وله الآن قرابة الستة أعوام وهو يراجع المحكمة، وأخيرا أبلغوه بأن حجج الاستحكام تم إيقافها في الدرب بدون توضيح الأسباب، مضيفأ أن كل ما يريده هو أن يستخرج حجة الاستحكام الخاصة بمنزله، وأن يعرف لماذا تم إيقاف الحجج دون توضيح الأسباب من قبل محكمة الدرب. 12 سنة من الانتظار ومن جانبه، أفاد المواطن أحمد دغريري أنه ظل يراجع محكمة الدرب منذ 12سنة، في سبيل الحصول على حجة الاستحكام الخاصة بمنزله في حي أبو السداد في الدرب «لقد تعبت وأنا أراجع المحكمة وأخرج خالي الوفاض ورغم أن معاملتي مكتملة الإجراءات لم أتمكن من الحصول على حجة منزلي». حملنا هموم وشكاوى المواطنين للمسؤولين في دوائر القضاء والمحاكم بهدف الحصول على إجابات شافية عن تساؤلاتهم الحائرة، حيث أفاد مصدر مسؤول في محكمة الدرب (فضل عدم ذكر اسمه بحجة عدم الصلاحية بالتصريح) أن هناك أمرا ساميا صدر في شهر صفر من عام 1429ه ينص على إيقاف إصدار حجج الاستحكام بشكل عام ولم يتوقف الأمر على إيقاف الحجج لمن كانوا داخل نطاق العمران أو خارجه، وإنما الإيقاف للجميع، وكما هو معروف فإن الأمر السامي لا ينقضه سوى أمر يماثله، وقد ورد استفسار من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية بخصوص إيضاح مسألة الأملاك التي تدخل في نطاق العمران، والأملاك التي تقع في خارجه، ولكنه لا يغير في نص الأمر السامي وسيتم التقيد به حتى يصدر أمر يماثله حينها ستكون الأمور واضحة للجميع. «عكاظ» اتصلت أيضا على المتحدث باسم وزارة العدل الدكتور عبدالله السعدان ولكن مدير مكتبه ذكر أنه في اجتماع خارج الوزارة. وعندما حاولت «عكاظ» طرح الموضوع على طاولة رئيس محاكم منطقة عسير الشيخ سالم العواشز، رفض مدير مكتبه الدخول عليه بحجة أنه غير مخول بالتصريح لوسائل الإعلام.