يلفت انتباهك وأنت تمر بجوار مستشفى اليمامة شرق الرياض سكونا رهيبا مبعثه الظلام الدامس الذي يلف فناءه نتيجة لقرار إدارته على تبني سياسة التقشف والاقتصاد من خلال إطفاء إنارة الأعمدة الكهربائية المحيطة. شدني هذا المنظر الذي يحيطه السكون إلى الدخول للفناء للوقوف على مدى الخدمات المقدمة للمراجعين، فكان أول مالفت نظري وأثار انتباهي التزاحم الكثيف داخل طوارئ الأطفال، مما يشير إلى أن هناك حياة في إحدى زوايا المستشفى أبطالها الكثر هم فلذات الأكباد من ضغاء الأطفال الذين يعانون من السعال وآلام الحمّى وأصوات آبائهم وأمهاتهم المتعاطفة تنطلق من كل حدب وصوب رأفة وشفقة بهم، متجهة أولا نحو موظف الاستقبال الذي يمنح الأرقام التسلسلية للانتظار، ليتجهوا بعدها لغرفة الفرز التي سميت بذلك لأن كل من يريد الدواء يجب أن يمرّ بها أولا لتفحص الحالة وفيما إذا كانت تستحق الأولوية لعرضها عاجلا على الأطباءالذين يستقرون في أحد الأزقة الداخلية وغير معلوم كم عددهم. أحدهم قال واحد وآخر قال اثنان فيما جزم أحد الخارجين أنهم أخصائيتين وأخصائي ولم يأت بعده من يزايد على الرقم، أما الاستشاري فتقول الرواية بأن جواله مفتوح لتلقي الاتصال في حال ورود حالة بالغة تستدعي خبرته وتدخله العاجل بمعنى أنه انتظار هو الآخر لكن بمرتبة معافى لا عليل حسب قول مريض. الهروب من الانتظار ينادي المكبر بأسماء المرضى آذنا بدخولهم للقسم الخاص بالعلاج، يدخل المريض مع الباب فيغلق خلفه منعا لتدافع المنتظرين بحراسة محصنة من قبل موظفين من الأمن الصناعي تلقوا وابلا من السخط من والد أحد الأطفال متهمهم بالمحاباة في إدخال المراجعين، لكن سخطه ذاك لايجد أذنا صاغية منهم فيبتسمون ويوزعون البهجة في المكان علها تسكن بدلا من الغضب. ينتظر الرجل دون جدوى للدخول على الطبيب، يتعاطف مع حال طفله فيقرر في النهاية البحث عن العلاج في مكان آخر بعد أن مكث أكثر من ساعتي انتظار. وفي صالة الانتظار قصة أخرى فأحدهم من شدة حبه لطفلته يحتضنها في ظل ارتفاع حرارتها ويمسح على جبينها لتسترخي علها تهدأ وتنام فيستمع خالد العبد الكريم لذلك الرجل فيقول: لست بخيلا على طفلي حتى لا أذهب به لمستوصف خاص، بل على العكس فمجيئي هنا من أجل صحته، الثقة مازالت في المستشفيات الحكومية خصوصا اليمامة لحالات الأطفال؛ لكن بطء الخدمة كما تشاهد يعكر المسألة ويجعلنا نتذمر. يقاطعه موظف بالطوارئ قائلا: عليك أن تكون متفرغا حين تأتي بطفلك إلينا، ماذا نفعل؟ الذين يأتون إلى هنا نهارا يصلون ل100 ولانعاني معهم، أما في المساء فترد حكاية أخرى، لك أن تتخيل الضغط علينا فمنذ السادسة مساء حتى فجر اليوم التالي يصل عدد الحالات إلى 700 حالة كلها تحتاج للعلاج، من الطبيعي أن يستغرق ذلك وقتا مع قلة الموارد البشرية المناوبة. وفي حين يتم استقبال إصابات العظام، تبلغ السن القصوى التي ينظر المستشفى في علاجها إثنى عشر عاما، أما من لديه تحويل من مركز صحي فله أولوية الدخول على الطبيب تبعا لحالته فيما يخضع الأطفال الذين يعانون من التقيؤ لدى لقائهم بالطبيب لاختبار يحدد حالتهم ويتلقون جرعة من المغذي الذي يهدىء من حالتهم. مليونان تحت الخدمة مساعد مدير المستشفى الدكتور حمود الفايز كشف بأن حجم العمل يتزايد في المستشفى الذي يخدم مايربو على مليونين ونصف المليون مراجع يسكنون شرق الرياض، وأن هناك لجان شهرية تناقش تطوير الخدمة وتستهدف الرفع منها. ولفت إلى أن الإمكانات المادية لهؤلاء تجبرهم على المجيء لطوارئ المستشفى وعدم اللجوء للمستوصفات الخاصة، وهو حق لهم تكفله الدولة مايجعل الأعداد تتزايد والضغط يزيد على المستشفى. وحول العقبات التي تعترض تطوير الخدمة في طوارئ الأطفال أكد الفايز أنهم يسعون جاهدين لتحسينها ومنها الاستفادة من التعاقد مع كوادر غير متفرغة بنظام الدوام الجزئي لسد النقص أثناء الذروة، وهو أمر قد ينقل حالة الرضا تدريجيا عن الخدمة ويرفعها لمستويات أعلى، مشيرا أن الأطباء الذين يعملون أثناء دورية العمل الواحدة يوميا في قسم طوارئ الأطفال يصل لأربعة في فصل الصيف ولخمسة في الشتاء الذي يشهد ارتفاع الحالات المرضية بسبب انخفاض درجات الحرارة ونقص مناعة الأطفال فيما يعتزمون رفع العدد لرقم أعلى خلال الفتره المقبلة. وعن تقييم الحالات الطارئة داخل الطوارئ، أبان الفايز أن غرفة الفرز لديها خمس درجات للحالات تبدأ بأولوية العلاج لمرضى الإغماء والتشنج وتوقف التنفس وتنتهي بمن يعانون الزكام، ولايمكن لها تجاهل أية حالة، أما التأخير فهو أمر يتطلبه التزاحم إضافة للزمن الذي تستغرقه علاج بعض الحالات المتقدمة. وأوضح الفايز أن مبنى مستشفى الأطفال الذي توقف العمل في إنشائه لمدة خمس سنوات سيستأنف استكماله قريبا، ومن المتوقع أن ينتهي تجهيزه مطلع العام 2012م وسيحل العديد من الإشكالات ويوفر ما يزيد على 100 سرير جديد، مبينا أن المستشفى ارتبط إليكترونيا بشبكة كاملة مع بقية المستشفيات لمناقشة إمكانية إحالة المرضى للعلاج لديه مع ضرورة أن يصل الرد عبر البريد الإليكتروني خلال وقت لايتجاوز نصف ساعة حرصا على حياة المرضى. وعرج الفايز إلى القول أنهم يباشرون أحيانا علاج بعض مصابي الحوادث رغم أن ذلك ليس من أعمال المستشفى المتخصص في النساء والأطفال إلا أنهم يقومون بإسعافات أولية للمصاب تكفيه حتى وصوله لمستشفى آخر.