طالب هولد بروكس أحد أشهر حراس معتقل جوانتانامو في كوبا بضرورة اتخاذ قرار نهائي بإغلاق المعتقل وتسريح جميع العاملين فيه. وذكر هولد بروكس في حوار موسع أجرته «عكاظ» أنه قضى كثيرا من الوقت داخل معتقل جوانتانامو حيث عاصر فيه عددا كبيرا من المعتقلين وتعرف على قصصهم، بالإضافة إلى مرافقته لكل معتقل منذ خروجه من الزنزانة الخاصة به حتى وصوله إلى غرف التحقيق وبالعكس. وأكد بروكس أنه كان يستمع لكثير من الأصوات يصدرها المعتقلون من داخل غرف التحقيق، الأمر الذي يعكس شدة الأذى الجسدي الذي يتعرضون له، موضحا أن التصرفات التي تمارس ضد المعتقلين داخل المعتقل تعتبر خرقا واضحا لحقوق الإنسان وانتهاكا للحرية. بروكس كشف الكثير من خفايا معتقل جوانتانامو، ولم يكن يعلم الجندي السابق في الجيش الأمريكي أن حراسته داخل معتقل جوانتانامو الشهير ستقوده إلى الإسلام، ولم يكن يحلم يوما أن يتحول من حارس لمعتقل يحوي العديد من المساجين توصف درجة تصنيف سجنهم ب «الخطيرة» إلى الرجل الأول في العالم الذي يسعى إلى إغلاق ذلك المعتقل وذلك من خلال تنقله بين عدد كبير من دول العالم يروي الكثير من الكلام الذي لم يستطع الإعلام أن ينقله. وأوضح هولد بروكس أو ما بات يعرف اليوم ب «مصطفى عبدالله» حيث اختار ذلك الاسم بعد الإسلام، أن حياته تغيرت بعد الإسلام .. وإلى تفاصيل الحوار: • لاحظنا وجود ثقوب أسفل أذنيك، هل يدل ذلك على فترة زمنية معينة كنت تمارس فيها أمورا مختلفة. نعم فقد كنت أضع بعض الأقراص في أذني وعددا من السلاسل المعدنية، بالإضافة إلى الأوشام التي تملأ ذراعي، كما كنت أضع العديد من العبارات الشيطانية في أنحاء مختلفة من جسمي. وكنت أملك شقة سكنية تزهر بكثير من الصور الشبابية والمرعبة في نفس الوقت وذلك عندما كنت أعيش في بيئة صعبة للغاية يتوفر فيها كل شيء يرغبه الشباب من المخدرات والمشروبات الكحولية. • كيف انتقلت للعمل في جوانتانامو؟ معتقل جوانتانامو في كوبا كان الأكثر شهرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان العديد من الأفراد يرغبون الخدمة في ذلك المعتقل للحصول على الكثير من المميزات المادية، وبالفعل انتقلت للعمل في ذلك المعتقل لأحقق الكثير من التميز في عملي. • وماهي طبيعة عملك داخل المعتقل؟ كنت أقوم بحراسة الكثير من الزنزانات التي كانت مليئة بالأشخاص أغلبهم من العرب والأفغان، وكانت صعوبة الحراس تكمن في أنهم الوحيدون الذين يتقابلون مع سجناء المعتقل وجها لوجه، كما أنهم ينقلونهم من مقر إقامتهم إلى غرف التحقيق وبالعكس، بالإضافة إلى عدم تمكين أي سجين من التحدث إلى شخص آخر، خصوصا أثناء التوجه إلى غرف التحقيق. • هذا يعني أنك قد تكون تعرضت للإيذاء من بعض المعتقلين؟ «ضحك قليلا» وقال العرب عندما يغضبون يجب أن تبتعد عنهم، فقد تخرج منهم بعض الكلمات المؤذية، ولكن عندما يزول الغضب فإنك تتفاجأ بشخص غير السابق يستحق الاحترام، أما عن الألفاظ التي كنت أسمعها فأغلبها يكون باللغة الأوردية أو العربية وبالتالي لا أفهم ماذا يقولون، حيث كان القليل من المعتقلين يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وكنت أقدر تلك المواقف فهو نادر ما يرى وجهي بسبب العصابة على أعينهم. المعتقلون صبروا • عندما كنت ترى هذا العدد من المعتقلين وجميعهم مسلمون ماذا كان يمثل لك ذلك؟ كنت أعلم أن جميع المعتقلين مسلمون وهم إما عرب أو أفغان وكنا نعتقد أنهم هم من ساهموا في تفجيرات برجي التجارة ونشر الهلع والخوف بين أفراد الشعب الأمريكي وتعرضنا للتعبئة لتأكيد جميع هذه المعلومات، ولكن عندما تتعامل معهم تشعر بأنك تعيش مع أشخاص طيبين لا يملكون سلاحا إلا القرآن يتلونه ليل نهار، يصبرون على الأذى يتمتمون بكلمات لا يغيب عنها لفظ الجلالة «الله الله». تعرضوا للأذى الجسدي • ذكرت أنهم يتعرضون للأذى وهل الحراس من يقومون به؟ «ذرفت دموعه وبكى قليلا» وقال أصدقك القول إنني لم أحب الدين الإسلامي إلا بعد أن رأيت المعتقلين المسلمين يصبرون لأعلم كيف امتلكوا هذ الصبر على أنواع الأذى الذي كانوا يتعرضون لها سواء كان مذنبا أو متهما، حيث تعددت أنواع الأذى بين اللفظي والمعنوي والجسدي. • ذكرت الأذى كان جسديا، هل يعني ذلك أن المعتقلين كانوا يتعرضون للضرب؟ كنت أقوم بنقل المعتقلين من الزنزانة إلى غرف التحقيق وينتهي دوري عندما يستلم المحقق المعتقل وأبدأ بحراسة غرفة التحقيق، وكنت أسمع أصواتا قوية يصدرها المعتقلون، الأمر الذي يؤكد تعرضهم للضرب المبرح أو حتى وسيلة تعذيب أدت إلى إطلاق تلك الأصوات، كما أنني كنت أسأل بعض المعتقلين الذين يتكلمون الإنجليزية ما سر هذا الصوت فقال لي أحدهم «هذا تعذيب وليس تحقيقا ولكن الله موجود». اعتنقت الإسلام بقناعة • متى فكرت في اعتناق الإسلام وكيف تم ذلك؟ عندما كنت أقوم بعملي داخل المعتقل وتأثرت كثيرا بحرص المسلمين على الصلاة رغم الظروف القاسية التي يمرون بها، بالإضافة إلى انتمائهم الملحوظ للإسلام، فهم يسعون إلى تطبيق جميع تعاليم دينهم وأصبحوا يستطيعون علاج أنفسهم دون الحاجة للطبيب وذلك بقراءة القرآن والمسح على أجسادهم، وهذا المنظر كان يتكرر بشكل يومي الأمر الذي أثار فضولي، حيث بدأت بعدها بالسؤال عن الدين الإسلامي. وفي الحقيقة كنت لا أعرف المعتقلين بأسمائهم بل بأرقامهم التي على ذلك الزي البرتقالي الذي يرتدونه، حيث إن كل معتقل يحمل رقما معينا، وخلال فترة تواجدي الطويلة مع المعتقلين أصبحت أعرف من يجيد الإنجليزية وأرغب الحديث معهم عن دينهم ولماذا هم هنا وماذا عملوا، حيث كنت أطيل الحديث مع شخص مغربي يعرف ب «الجنرال» ويحمل زيا برتقاليا رقم 590، حيث كنت أقضي مجمل ساعات عملي في الحديث مع «الجنرال»، وكنت أتحدث معه من خلف القضبان المعدنية الفاصلة بيننا. وقد أقمت علاقة مميزة مع «الجنرال». وكان يخبرني في كل ليلة عن قصة أحد المعتقلين وعن الدين الإسلامي وعن الكتب الإسلامية وعن القيم والعادت الإسلامية، وكان الحديث يستمر إلى ساعات الصباح. وعندها بدأت تساورني الشكوك في شرعية كلام «المعتقل»، وطلبت حينها كتبا عن اللغة العربية. وكنت أرى مدى الصبر في هؤلاء المعتقلين، وكيف يقضون ليلهم يناجون الله ويرفعون الأيدي ويبكون وكأنهم في متنزه بري وليس في معتقل تمارس فيه كل أنواع الأذى، وخلال أحد الأحاديث المسائية مع «الجنرال» تحول الحديث إلى الرغبة في اعتناق هذا الدين الذي يجعلك في أضيق الظروف في قمة السعادة، وهي التي كنت أبحث عنها ولم أجدها، وعندها أرشدني «الجنرال» إلى الشهادة، «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله». وعندها أرسلت «للجنرال» ورقة وقلما من خلف القضبان وطلبت منه كتابة كلمات الشهادة بالعربية والإنجليزية، ثم نطقت الشهادة بصوت مرتفع، من داخل معتقل جوانتانامو. أخفيت إسلامي • هل كان من السهل أن يعتنق أحد حراس المعتقل الإسلام بالرغم من أن جميع المعتقلين هم من المسلمين؟ كان من الصعب أن يعلم أي شخص داخل المعتقل بإسلامي ولكن قناعتي قادتني إلا أن أبلغ من يرافقني في غرفتي داخل المعتقل، وكنت أخفي إسلامي عن الجميع في الوقت الذي انتشر فيه خبر إسلامي بين المعتقلين، حيث كنت أرى في عيونهم فرحة عارمة بدخولي إلى الإسلام، ولقد ساور عدد من الحراس الشكوك حول اعتناقي الإسلام وذلك بعد مشاهدة التغير الواضح في طبيعة عملي، حيث كنت أحاول أن لا أكون سببا في إلحاق الأذى بالمعتقلين. وفي إحدى الليالي اصطحبني قائد عسكري إلى ساحة داخل المعتقل ووجدت أربعة حراس يصرخون عليّ ويسألونني أن كنت عميلا. • ماهي أبرز الحوارات التي كنت تديرها مع المعتقلين؟ كنت أتناقش وأتحاور معهم في كثير من الأمور التي تخص حياتهم وكيف ينظرون إلى مستقبلهم وماهو شعورهم في تلك اللحظات الصعبة، وهل سيذكرون هذه الأيام أم أنها ستمحى من ذكراتهم، كما أننا كنا نتناقش في الموسيقى والفن والرياضة فهناك عدد منهم يجيد التحدث باللغة الإنجليزية وسبق أن عاش في أمريكا، ولقد توفرت لدي معلومات مؤكدة أنه يتم نقل المعتقلين في جوانتانامو سواء كانوا عربا أو أفغان سرا إلى السجون الأمريكية في العراق. • اشتهر معتقل جوانتانامو باللون الموحد للمعتقلين داخله ما سر هذه الملابس؟ «ضحك» لقد ارتبط المعتقل بالزي البرتقالي الذي كان يرتديه المعتقلون وانتشرت صورهم في كثير من الوسائل الإعلامية، وقصة هذا الزي والذي تم جلبه من أمريكا هو أن هذا اللون هو أحد الألوان التي تستخدمها الأجهزة الأمنية لتصنيف درجات الخطورة، وكان عدد كبير من المعتقلين يرتدون هذا الزي البرتقالي. • كيف ترى معتقل جوانتانامو قبل وبعد مغادرتك له؟ لا أريد أن أذكر هذا المعتقل أثناء تواجدي فيه فكل اللحظات التي عشتها فيه تتسبب في سقوط دموعي، فجميع المعتقلين يفتقدون لكثير من الأمور الحياتية التي تساعدهم على الصبر. ولكن عند مغادرتي لذلك المكان وبعد إسلامي اتخذت وعدا وعهدا على نفسي أن أنقل كل ما رأيته وسمعته داخل المعتقل لجميع من يملك القرار في إغلاقه وإطلاق سراح المعتقلين، فقد جاء الوقت ليغلق ذلك المكان «الموحش»، حيث إن من يذكر جوانتانامو يذكر المعاملة القاسية للمعتقلين. • كيف اختتمت مشوارك العسكري؟ ساءت الأمور كثيرا في عملي وانتقلت إلى مكان خدمي آخر. وامتنعت عن التواجد في أماكن الرقص لقضاء وقت الفراغ. وخلال أشهر تم تسريحي من عملي العسكري وعدت إلى منطقتي ومررت بظروف صعبة عدت فيها إلى ممارسة بعض السلوكيات الخاطئة ولكن سرعان ما سيطرت على ذاتي وعدت أقوى من السابق.