يطل علينا رمضان بكل ما فيه من معاني المحبة والتعاطف والتسامح والرحمة، وأول ما يتبادر إلى الفكر في رمضان هو الذكرى.. ذكرى مَن فارقناهم فلم يشهدوا معنا رمضان، فنتوقف لنستلهم من ذكراهم العبر، فلقد كانوا بيننا ملء السمع والبصر، ولكن عجلة الحياة تدور ويأتي من بعيد صوت زهير بن أبي سلمى وهو يقول: رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم اللهم ارحم أحبتنا الذين لم يبلغوا معنا رمضان، واغفر لهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، واجمعنا بهم في علّيين مع الأنبياء والشهداء والصديقين. السعادة.. هل هي مطلقة أم نسبية؟ وهل عناصرها واضحة ومحددة، أم أنها تختلف باختلاف الزمان والمكان والأفراد؟ وهل هي معين لا ينضب، أم أنها رصيد محدود يؤخذ منه بحساب قبل أن ينفد؟ وهل هي حق لكل الناس أم غنيمة لمَن يحظى بها؟ تساؤلات لا أعرف لها جوابًا.. ولكنني عرفت من يبحث عن السعادة ويستخرجها من أبسط المعاني، ويستخلصها من بين أنياب الكآبة والأحزان، ويسلط عليها نظره وفكره وإحساسه، فيكاد لا يرى سواها، ويكبّرها بعدسة روحه فتغطيه وتشع من حوله لتشمل مَن يلامس وجوده، السعادة عنده نسمة هواء صيفية، أو موجة بحر، أو فنجان شاي، أو ابتسامة طفل، أو شعاع شمس غاربة، أو رنة ضحكة صافية.. وعرفت أيضًا مَن تحيط به أسباب السعادة المادية والمعنوية والعاطفية، فيغفل عنها ويغلبه الإحساس بالحزن، أو الخسارة، أو الضعف لأبسط الأسباب، ويغيب عنه قول إيليا أبي ماضي: أيّهذا الشّاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟ والذي نفسه بغير جمال لايرى في الوجود شيئاً جميلا فتمتّع بالصّبح ما دمت فيه لا تخف أن يزول حتى يزولا وإذا ما أظلّ رأسك هم قصّر البحث فيه .. كيلا يطولا أيّهذا الشّاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا ؟ الألم.. تاج على رؤوس الموجوعين.. لا يراه سواهم!! كيف لا والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يُشاك شوكة فما فوقها إلاّ كتبت له بها درجة، ومُحيت عنه بها خطيئة»، والألم وسيلة تنبيه لموضع الداء لكي تباشر بالدواء، وكثير من الأمراض المستعصية يبدأ بدون ألم حتى إذا انتشر واستفحل لم يعد لدى المريض فرصة للعلاج، والألم وسيلة للتأمّل والتدبّر في حكمة الله سبحانه وتعالى، إذ يجعل من أبسط الأمور، بل وبعض أحلاها إلى النفس سبيلاً للألم، فيعود المرء يتجنّب ما كان يتوق إليه، والألم اختبار للشخصية، فهناك مَن يتعامل معه بالتسليم، وآخرون يقابلونه بالاستياء، وفئة تقابله بالرفض والسخط وغيرهم مَن يعمل على التغلّب عليه، وخيرهم من يكون لسان حاله يقول.. الحمد لله الذي ابتلاني فصبرت، وشافاني فشكرت. للتواصل: [email protected] فاكس : 6901502/02