كرم الخالق الإنسان ، وجعله أشرف المخلوقات على ظهر الأرض ، وسخر كل ما في الكون له ، وفي ذلك دليل على التكريم الإلهي له ، وهو الذي يملك حق الاستفادة والسيطرة على ما خلقه الله من أجله {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} وقد جعله الله بمثابة خليفة له على الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة} ولعظمته أمر الله الملائكة بأن تسجد له {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}إلا من أبى وأستكبر ، فكان عدواً لخليفة الله في الأرض {إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} فالإنسان ذروةً في الخلق ، وقمة في الصنع {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقد منحه الإله من المواهب القيمة الكثير التي تميزه عن غيره من المخلوقات الأخرى [ العقل – الحرية – التعلم – المعرفة – التكليف – التعبير – التملك - الكفاية ... ] وزوّده المولى بقوة الإرادة ليحقق وينفذ ما يختاره ، ويحاول الإسلام في مواضع عديدة من الكتاب والسنة التنبيه على هذه النقاط ليرفع معنويات الإنسان ويشعره بمقامه المكرم ، وبتفضيله على الكثير من الخلق الذين يشاركونه العيش فوق ثرى الأرض {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} ومن دلائل تكريم الله للإنسان أنه فتح له باب التقرب إليه أنى شاء ، ومتى شاء ، يدعوه فيجده أقرب إليه من حبل الوريد ، دون وسيط أو شفيع ، ومن تكريم الإسلام للإنسان أنه أعترف بكيانه كله جسماً ، ونفساً ، وعقلاً ، وقلباً ، ووجداناً ، وإرادةً ، لهذا أمره بالسعي في الأرض ، والمشي في مناكبها ، والأكل من طيباتها {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} والاستمتاع بما فيها من خيرات ، فكل ذلك من مظاهر تكريم الله لبني البشر ، فكرامة الإنسان حق من حقوقه التي كفلها الإسلام له ، ومن ثم ينظر الإسلام إلى حقوق الإنسان كنعمة مستمده من إرادة الله سبحانه وتعالى ، وليس فضلاً يمنحه المجتمع للإنسان ، وهي من الحقوق التي لا تخضع لاجتهادات الجماعة فتختلف من زمان لزمان أو من مكان لمكان بل حق ثابت ، فالكرامة هبة من الله للإنسان , وهدية عظيمة جداً تكفل له مهما كانت مكانته أن يعيش دون أن يسمح للآخرين بالتدخل في شؤون حياته بشكل عام ، وهي الخطوة الأولى في طريق تربية الإنسان ورفع مستواه في جميع حقول التكامل ، فإن أردت أن تصون كرامتك ، فصن كرامة الآخرين من حولك ، وبالتالي ستجعل كرامتك محفوظة كما لو أنها لؤلؤة ثمينة لا يجرأ أحد على الاقتراب منها أو الإساءة إليها ، ولا يمكن بلوغ العدالة الإجتماعية إلا في إحترام كرامة الإنسان التي أمرنا بها الله ، فتكريم الإنسان موضوع يشكل زاوية مهمة في رأي الإسلام ونظرته له . شعر : لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن ومن أصدق من الله قيلاً {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ}. [email protected]