كشفت مصادر مطلعة أن محاكم جدة والعاصمة المقدسة والطائف تنظر حاليا في تسع قضايا ابتزاز وتحرش واعتداء على فتيات، فيما تحقق دوائر العرض والأخلاق في قضايا مماثلة، وجار إحالتها للقضاء. إلى ذلك، قدمت أسرة السائق الباكستاني المتهم بالاعتداء على طالبة جامعية وابتزازها، مذكرة إلى المحكمة تطالب فيها بإطلاق سراحه بالكفالة، إلا أن ناظر القضية رفض طلبها، لا سيما أنه أقر شرعا ما نسب إليه وأصبح مدانا. وعلمت «عكاظ» أن سائق الحافلة ويدعى عيسى (25 عاما باكستاني) من مواليد جدة، قال في بداية التحقيقات إنه أعزب وغير متزوج، ليتبين بعد ذلك أنه متزوج من ابنة عمه، وله اثنان من الأبناء، وأنه حاول الهروب من الحافلة عندما داهمته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكدت المصادر أن ملف الفتاة جرى التعامل معه بسرية تامة، وشطب اسمها وجميع المعلومات الخاصة بها في محاضر التحقيق سترا لها مع احتفاظها في المطالبة بالحق الخاص والتعويض عما لحقها من أضرار نفسية واجتماعية جراء الاعتداء عليها وابتزازها. وأوضحت مصادر التحقيق أن المتهم زعم في التحقيقات الأولية أن صور الفتاة العارية التي ضبطت في جواله أنزلها من شبكة الإنترنت، قبل أن يقر بأنه هو من صورها، واعترف المتهم بأنه أقام علاقة غير شرعية مع الفتاة لكنه رفض تهمة ابتزازها، إلا أن الطالبة الضحية قالت في دعواها «السائق اغتصبني». وأكدت مصادر أن هيئة التحقيق والادعاء العام فرزت ملفا مستقلا طالب فيه المدعي العام التحقيق مع صاحب المؤسسة المختصة بنقل الطالبات بتهمة تشغيل مقيم لديها، وهو ليس على كفالتها، إضافة لمخالفة اشتراطات سعودة وظائف نقل الطالبات، كما تقرر التحفظ على الحافلة المستخدمة في الجريمة. وجاء في محضر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه شوهد جوال المتهم وفحص ما تضمنه من صور. وقال الدكتور عمر الخولي -أستاذ القانون في جامعة الملك عبدالعزيز والمستشار القانوني لهيئة حقوق الإنسان- «هذه الجريمة تقع في إطار جرائم الابتزاز التي تتولى التحقيق فيها دائرة العرض والأخلاق في هيئة التحقيق والادعاء العام، وأوضح أن هيئة حقوق الإنسان يرد إليها عدد محدود من مثل هذه القضايا، إلا أن تدخل الهيئة فيها يكون توجيهيا وإرشاديا، يتمثل في تقديم العون للضحية لتمكينها من اللجوء إلى الجهات المختصة. وأضاف أن العقاب لمنفذ هذه الجريمة هو الأول؛ التعزير الشرعي نتيجة الاعتداء وهتك العرض، والثاني الابتزاز، والثالث هو العقوبة النصية التي ورد النص عليها في النظام، وعند المحاكمة يوقع القاضي أشد العقوبة، ولا يجمع بين العقوبات المقررة لهذه الجرائم وذلك وفقا للمبدأ الشرعي المعروف (مبدأ الاستغراق)؛ بمعنى أن يحكم على المدان بعقوبة الجرم الأشد أو العقوبة المقررة للجريمة الأكبر وهو المبدأ الذي تخرج به عدد من الدول في أنظمتها القضائية، وأتوقع أن تكون العقوبة في الحق العام على المتهم (سائق الحافلة) تزيد على العقوبة المنصوص عليها في نظام جرائم المعلوماتية، إضافة الى الحق الخاص إذا ما ثبتت دعوى الحق الخاص انه هو من «فض بكارتها». إرش البكارة واستدرك الخولي قائلا: للطالبة الضحية حق خاص يتمثل في ما يعرف ب (إرش البكارة) يحدده ناظر القضية، إضافة إلى تعويضها عما يكون قد أصابها من أضرار نفسية واجتماعية ومادية نتيجة هتك العرض والابتزاز. انطواء وضغوط نفسية إلى ذلك، قال الدكتور محمد الغامدي -استشاري الصحة النفسية- «إن التحرش بالمرأة وابتزازها يؤثر عليها من الناحية النفسية والاجتماعية، ويولد ضغطا وعدم تكيف لديها في حياتها، وتتحول إلى حالة عدم القبول، وهو ما يضعف المساندة الاجتماعية لها، ويؤدي ذلك للانطواء وحدوث مشكلات نفسية تجعل المرأة تعاني منها لفترات طويلة». منع تظليل الحافلات من جهته، انتقد المستشار الاجتماعي المعروف إحسان طيب، مؤسسات نقل الطالبات التي لا تلتزم بالاشتراطات والضوابط، وقال «هناك مشكلة في عدم التزام الشركات بإيجاد سائقين سعوديين»، وطالب بوضع معايير للعاملين في مهنة سائق الحافلات، بحيث يكون من كبار السن من السعوديين، ومعه مرافقه كزوجته، مع رقابة سلوكيات هؤلاء عند الشركة المشغلة لهم، وشدد على أهمية منع هذه الحافلات من تظليل زجاج الحافلة، حيث إن التظليل يمنح ضعاف النفوس فرصة لإيجاد بيئة متاحة له لممارسة الرذيلة، كما حدث في هذه الحالة، وقال طيب «إن الأمهات يتحملن مسؤولية عدم قربهن من بناتهن ووجود حواجز، لا سيما أن مثل هذه الواقعة للفتاة الضحية لم يكن وليد اللحظة، بل كان على مراحل، كان يجب على الأم أن تكون قريبة من ابنتها وتعرف المتغيرات». وأضاف الاعتداء الجنسي والتحرش هما مراحل لاحقة، حيث تبدأ أولا بالاستمالة باللفظ وتبادل نظرات الإعجاب، ثم الكلام وزيادة مساحة العلاقة إلى التعدي باللمس خطوات باتجاه الاعتداء الجنسي وممارسة الرذيلة، تعقبها مرحلة أخرى هي الاستفادة الدنيئة من الضحية وابتزازها بالتهديد والوعيد. الثورة المعلوماتية وقالت الدكتورة نادية نصير -استشارية نفسية واجتماعية- «ظاهرة ابتزاز الفتيات تحتاج إلى دراسة، وهي تقع نتيجة التحولات التي تطرأ في المجتمع، بالإضافة للثورة المعلوماتية». وقالت: مع كثرة قضايا الابتزاز التي تمارس على الفتيات لإقامة علاقات غير شرعية، غالبا ما يتم اللجوء إلى ذلك في حال إنهاء الفتاة للعلاقة نتيجة لتوبتها والندم على ما مضى وعدم عزمها على إكمال مسيرة الرذيلة، أو لارتباطها بالزواج من رجل آخر، وتخوفا من الفضيحة وأمام الضغط النفسي الذي يمارس عليها. وأكدت على الحرص على عدم إرفاق ذاكرة الهاتف أو الكمبيوتر الشخصي أثناء صيانته، حيث ثبت في كثير من الوقائع أن بعض العاملين في هذه المحال يستغلون وجود بعض صور الفتيات أو يستخدمون برنامج استرجاع المحذوف من الذاكرة فيحصلون على بعض الصور والمقاطع ويستغلونها في ابتزاز الفتيات. ووصفت المشرفة على الفرع النسوي في هيئة حقوق الإنسان في منطقة مكةالمكرمة الدكتورة فتحية القرشي، التحرش والابتزاز بأنه من ممارسات العنف الذي تعاقب عليه القوانين، وذلك يتنافى مع تعاليم الدين وآداب السلوك، كما يعتبر من السلوكيات المستهجنة في جميع المجتمعات والثقافات، وقالت في تعليقها على قضية الفتاة الجامعية التي انتهك سائق حافة عرضها «المأساة كبيرة ونرجو ألا يتم التعامل معه باعتباره حالة منفردة؛ لأن هناك الكثير من الإناث معرضات لنفس الجريمة». وزادت: سكوت المتعرضة للتحرش أو الابتزاز وتجاهلها له، يسهم بصفة كبيرة في انتشار ممارساته، فهناك نساء يفتقدن لتقدير الذات ويعاملن بقسوة في المحيط الأسري ولذلك لا تستنكره مما يجعله يتطور إلى مضايقات واستفزاز وانتهاك لحقوقها والأمن النفسي والاجتماعي والاقتصادي. محمد الناشري الاخصائي الاجتماعي ورئيس الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك فهد، أفاد بأن المشكلة مردها الأساسي هو الخلل في منظومة القيم لدى الأفراد، وفي مدى تطبيق القيم الاجتماعية والأخلاقية، وقال «إن إحصائيات طبية متخصصة أبانت أن 70 في المائة من المعتدين جنسيا على الضحية، خاصة الأطفال هم من الأقارب أو المحيط القريب من الضحية بمن فيهم الخدم والسائقون، و أن عشرة في المائة من المعتدين من الغرباء. وحذر الناشري الفتيات من الوقوع في عملية الابتزار باستخدام وسائل الاتصالات والتقنية الحديثة من قبل بعض الرجال في مختلف المواقع، وعدد أنواع الابتزاز منها المادي، الإلكتروني والعاطفي، وأرجع أسبابه إلى ضعف الوازع الديني، وأبان أنه وفقا لدراسة اجتماعية فإن 51 في المائة من أسباب الجرائم الأخلاقية دخول وسائل الاتصال الحديثة في حياة الأسر وتعدد استخداماتها، أما العمالة الوافدة وبعض القنوات الفضائية والإعلام الهابط فيمثل نسبة 25 في المائة، وتقصير الأسر في توجيه الأبناء وعدم مراقبتهم والجهل ببعض الأمور والحرمان من المحبة والتودد تمثل نسبة 13 في المائة، وحب التجربة والتقليد والتأثير وأصدقاء السوء تمثل نسبة 2 في المائة». من جانبه، يقول أحمد حاسن -ولي أمر طالبة- «مبررات الملاك صحيحة، رغم أنني أرغب في أن يقود حافلات النقل سعوديون بمحارمهم، ولكن من الصعب على أي سعودي أن يعمل بالرواتب التي تقدمها الشركات والتي لا تتجاوز 1500 ريال في الغالب، وفوق ذلك يطلب منه إحضار محرم من زوجة أو أخت أو خلافه معه، وهذا يعني أن موظفين يعملان بنفس الراتب؛ أي أن كلا منهما يتقاضى 750 ريالا فقط لا غير، وهذا ما يدفع بالسعوديين لعدم العمل في هذه المهنة، لا يوجد سعودي يقبل العمل في هذه الوظائف لأنها ببساطة صعبة وتشترط وجود محرم وراتبها ضئيل».