يقول الخبر «الحياة 19/4/2011» إن فتاة 17 عاما تقدمت بشكوى لوزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، تتهم فيها مسؤولا في جمعية خيرية «..» بالتحرش والابتزاز، وأنه يتبع ذات النمط مع الأسر المحتاجة التي ليس لها «محرم». وخبر آخر «عكاظ 6/4/1432ه» عن إصدار المحكمة العامة في النماص حكما بالسجن والجلد على مدير بنك قام بالابتزاز والتحرش بفتاة باطلاعه على بياناتها وأرقامها عبر حسابها البنكي وتهديدها بإيقاف حسابها إذا لم تحقق مطالبه.. وخبر آخر -23/5/2009 قبضت الهيئة على موظف بنك بمكة ابتز فتاة عشرينية. وآخر «الرياض 24/10/1430» عن قبض الهيئة على إمام مسجد بالإنابة بأبها يتحرش بالفتيات ويبتزهن وضبط في دورة مياه المسجد الذي هو إمام فيه وهو يهم بفعل الفاحشة بفتاة ابتزها.. وآخر «الرياض 19/5/1432» عن قبض الهيئة على إمام مسجد في القريات لقيامه بابتزاز فتاة عشرينية للفاحشة.. وخبر آخر 28/1/1431 أصدرت محكمة القطيف حكما على موظف بقسم التقارير الطبية في مستشفى في المحافظة، بالسجن لسنتين و180 جلدة لابتزازه فتاة معاقة مقابل تقريرها الطبي.. وآخر «المدينة 2/24/2010» بالقبض على طبيب نساء وولادة في المدينةالمنورة كان يختلس تصوير المريضات ويحصل على أرقامهن من ملفاتهن ويبتزهن للفاحشة وكذلك الموظفات.. وآخر «الجزيرة 28/6/1430» قبضت الهيئة على معلم يبتز فتاة في المجمعة.. وآخر 27/4/2010 قبضت الهيئة على معلم في الطائف ابتز فتاة، والقبض على معلم آخر 27/12/1430 في الجوف بذات التهمة.. فالظاهرة ليست مجرد مسألة مراهقين صغار يعانون الفراغ. وكثير من الحالات المبتز اختلس معلومات وصور الفتاة بدون علاقة مسبقة بينهما، وفي مجتمع محافظ كالمملكة لا يتم التبليغ عن غالب الحالات خشية الفضيحة وعواقبها ولهذا لا يمكن معرفة الحجم الحقيقي لانتشار التحرش والابتزاز لكن يمكن القول إنه بات منتشرا بشكل مثير للقلق، وعادة عندما تطرح أسباب الظاهرة تذكر ما يمكن تصنيفها بعوامل زيادة القابلية للتورط فيها كالبطالة وصغر السن والفراغ النفسي وضعف الوازع الإيماني، لكنها لا تمثل السبب الجوهري الذي يجعل شخصا يشعر أن من حقه فرض نفسه على إنسان آخر بالتحرش والابتزاز والاغتصاب بقصد استخدامه كغرض لإشباع شهواته الدنيئة بغض النظر عن التبعات المأساوية على الآخر، فالسبب الجوهري وراء كلتا الظاهرتين يمثل قاسما مشتركا بين الثقافة الاجتماعية الغربية المنحلة وبين الثقافة الاجتماعية المحلية المحافظة، وهو ما يسمى في علم النفس ب «التشييء الجنسي» Sexual objectification ويعني النظر للطرف الآخر على أنه مجرد شيء أو غرض جنسي لقضاء الشهوة بشكل يجرده من ماهيته الإنسانية الكلية، وهي ظاهرة نفسية درسها علماء الغرب بشكل موسع لأنهم يرون أن الثقافة الغربية تشيء المرأة جنسيا، فالثقافة الغربية كرست النظرة التشييئية للمرأة كغرض للإثارة الجنسية عبر البرامج الترفيهية والإعلانات والمواد الإباحية ونوادي الليل وعمليات التجميل، وفي الثقافة الاجتماعية المحافظة يتم أيضا حصر المرأة في تعريفها على أنها مجرد غرض لشهوة الرجل ودورها الوحيد في الحياة هو الدور الجنسي بشكل أيضا يجردها من ماهيتها الإنسانية الكلية، وفي كلا الحالين النتيجة واحدة وهي تشييء المرأة جنسيا الأمر الذي توصل العلماء لأنه السبب الرئيسي وراء زيادة نسب الاغتصاب والتحرش والابتزاز، ولهذا الحل يكون على صعيدين؛ الصعيد الديني بإعادة النظر بالنمط السائد للوعظ والتعليم الديني المفرط في تصوير المرأة على أنها مجرد شهوة خطرة وليس كإنسان له أبعاد أخرى عقلية ونفسية وروحية واجتماعية وحضارية، فحتى غير الملتزمين دينيا يكتسبون ذلك المنظور النمطي السلبي للمرأة، ففرط التحذير من خطر المرأة كشهوة وفتنة أدى لأثر عكسي وهذا النمط من التأثير العكسي مثبت علميا، ففي الدراسات على تأثير الحملات المكثفة للتحذير من المخدرات والتدخين تفاجأ العلماء بأنها كانت من عوامل انتشار التعاطي في كليهما وبتصوير أدمغة الناس تفاجؤوا أنه عند عرض صور الإعلانات المحذرة من مخاطرها سجلت أدمغتهم نشاطا في منطقة اللذة رغم أنهم كانوا ينظرون إلى صور منفرة من حملات مكافحة الإدمان، فكثرة التحذير من شيء يؤدي للتعود عليه بحيث يصبح حتى خطره مثيرا وليس منفرا وكثرة التحذير منه يولد عصابا وتوترا مفرطا حوله يدفع الشخص بشكل لا واع لإرادة تفريج توتره منه بمقارفة الأمر، وكثرة تشبيه نمط الحال بين الجنسين بأنه كالذئب المتربص لافتراس الشاة يطبع هذا النمط في النفسية الجماعية كنمط سائد فيحسب الذكور أنه الشيء العادي السائد أن يتصرفوا كذئاب، فاكتساب الأنماط يحدث بشكل انطباعي سواء عن كثرة الترغيب أو الترهيب في النمط المذكور، وكثرة الحديث عن نمط سيئ بشكل مضخم يؤدي لإفقاد الناس حاجز الاستهجان أي شعور «الكل يفعلها» ولهذا الأفضل التركيز على ترقية المنظور الحضاري العام تجاه المرأة فهو جعل تحرش العمل في السويد وفرنسا الأقل عالميا، والشاب الذي جاء يستأذن النبي في الزنا واضح أنه كان لديه منظور تشييء المرأة جنسيا، فكان علاج النبي له ليس بالتشنيع على النساء إنما بترقية منظوره للمرأة من المنظور الجنسي إلى المنظور الإنساني حيث قال له «أتحبه لأمك؟..لابنتك؟..لأختك؟..لعمتك؟..لخالتك؟»، والشاب في كل مرة يقول لا والله. فيقول له النبي ولا الناس يحبونه. فانصلح الشاب. والمأمون سأل فقيها لماذا كان الحب في صدر الإسلام لا يعاب بينما في زمنهم صار مما يعاب، فرد الفقيه «كان الحب بلا ريبة» أي لم يكن هناك تشييء جنسي للطرف الآخر وهذا هو الحب العذري. أما على صعيد الثقافة الترفيهية فحتى برامج الأطفال وألعاب الفيديو والعرائس مثقلة بالتشييء الجنسي، فيجب التوعية بهذا الصدد ومراسلة المنتجين والوكلاء والقنوات بالاعتراضات، وبدل المسلسلات الخليجية التي لا تقل سوءا عن التركية والأجنبية في كونها تتمحور حول التشييء الجنسي للطرف الآخر والعلاقات المرضية القائمة على الانتهاز والابتزاز والخيانة والقسوة والأنانية، يجب تمويل منتجات ثقافية مغايرة تقدم أنماطا صحية راقية للعلاقات الإنسانية، فللأسف الثقافة السائدة تقوم على التشييء الجنسي للطرف الآخر والنظر إليه فقط كغرض للشهوة بشكل يجرده من ذاته الإنسانية الكلية التي وبالفطرة لو استحضرها الإنسان لما طاوعته نفسه أن يعامل الطرف الآخر بشكل سيهدم حياته لأجل أن يفترس وينتزع منه شهوته، لهذا يجب صياغة ثقافة دينية ودنيوية لديها منظور أكثر تعقيدا ورقيا للإنسان. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 217 مسافة ثم الرسالة