رغم اختلاف الروايات وتعدد القصص في كيفية اكتشاف قرية الجفر التابعة لمنطقة المدينةالمنورة والواقعة على بعد 35 كلم من المدينة باتجاه الغرب، إلا أن الحقيقة حسب روايات كبار السن في القرية تميل إلى أن احد الرعاة المكتشف الحقيقي لها قبل عشرات السنين، بعد اكتشاف العين الشهيرة بالجفر التي نبعت وسط الجبال وتوافد عليها البدو ورعاة الماشية والمزارعون حتى أصبحت القرية من أغنى قرى منطقة المدينة بالزراعة وتربية المواشي. واستمر الحال إلى قبل نحو 60 عاما، إذ جفت العين وأصبحت أثرا بعد عين وواصل أهالي القرية الزراعة التي اشتهروا بها مثل زراعة النخيل والخضراوات بأنواعها مستخدمين مياه الآبار اليدوية ومن ثم الارتوازية، واستمر الوضع كما هو عليه إلى ما قبل 25 عاما لتبدأ فصول المأساة والمعاناة للمئات من سكان القرية بداية بشح المياه وانقطاعها تماما عن مزارعهم وانتهاء بالرحيل والهجرة الجماعية بعد أن أجهض انعدام الخدمات بالقرية أحلام ما تبقى بها من سكان. الواقف على أعتاب قرية الجفر والمتجول في مزارعها الخاوية وبيوتها وقصورها التي ما زالت شامخة تشهد على عصر ذهبي مضى، قد يتعجب كيف تحولت من عيون وينابيع ومزارع خضراء إلى قرية صفراء جدباء لا يجد أهلها ما يروي عطشهم من الماء إلا باللجوء إلى مياه الآبار التي تجلب لهم من القرى المجاورة وتحمل بين قطراتها الأمراض والأوبئة التي أودت بعدد من أهالي القرية، وسبق أن حذرت من استخدامها مديرية المياه إلا أن ندرة المياه واللامبالاة أجبرت الأهالي على شربها، حيث طالب أهالي القرية مرات عدة بتوفير لهم مياه الشرب عبر أنابيب من خزان التحلية الذي يقع على بعد 18 كلم من قريتهم لكن دون جدوى. «عكاظ» تجولت في القرية والتقطت صورا شاهدة على ماضي وحاضر القرية، وأخرجت ما يكنه أهالي القرية من ألم داخل أجسادهم التي عانت الأمرين من حنين إلى ما مضى، وحاضر معدوم، ومستقبل مجهول. اتفق كبار السن بالقرية على أن اكتشاف القرية ينسب إلى احد رعاة الأغنام عندما استغرب من ماعز له تختفي وتعود وفمها مبلل بالمياه مما اضطره إلى تتبع خطوات ماعزه التي أرشدته إلى موقع العين وذلك قبل عشرات السنين. وعن سر جفاف العين أكد لنا أهالي القرية أن الأمر حيرهم كثيرا فحال القرية تبدل تماما من بعد جفاف العين وندرة المياه. وذكر المزارعان مطر الحبلاني ودخيل الله حمود المحمدي أن القرية كانت ملاذا لأهلها من الجوع والعطش، حيث كانت تنعم بالماء في وجود العين وآبار المياه والزراعة وتربية الماشية، والآن أصبحت قرية خالية تماما من المياه، وبعد أن جفت العين والآبار ماتت مزارع القرية من قلة المياه وهجر السكان مزارعهم والأغلبية هجروا القرية ورحلوا، وساعدت ندرة المياه بالإضافة إلى نقص الخدمات في القرية على هجرة أهلها إلى المدينة، فالقرية لا يوجد بها أساس الحياة (الماء) فنحن نضطر إلى شرب المياه الملوثة بعد أن يتم جلبها من مزارع قريبة من القرية. وأضافا أن أهالي القرية طالبوا عدة مرات بتوفير مياه الشرب بالإضافة إلى بناء السدود لكي تعود الحياة مرة أخرى للقرية، إلا أن مطالبنا لم تحظ بالموافقة حتى الآن. وعبر عدد من أهالي القرية عن استيائهم من تجاهل صحة المدينة لهم، حيث أكدوا أن المستوصف الحالي تنقصه جميع الخدمات الطبية، ومعظم أهالي القرية يضطرون للسفر لمستشفيات المدينة للعلاج بالإضافة إلى أن المبنى سيئ، مطالبين بإنشاء مستشفى حكومي يوفر لهم الخدمات الطبية اللازمة. وخلال جولة «عكاظ» اتضح أن غالبية السكان يقطنون منازل آيلة للسقوط في أي وقت بسبب تقادم بنائها والمواد المستخدمة في ذلك، إضافة إلى أن جميعهم يعتمدون على شراء مياه الشرب عن طريق باعة الصهاريج التي تراوح أسعارها بين 120 140 ريالا. وأفصح مزارعون عن اضطرارهم إلى قطع 50 كلم بين الجبال وصولا لقرية الفقرة لإنهاء معاملاتهم الزراعية في فرع الزراعة، بينما فرع الزراعة في المدينة هو الأقرب لهم. شواهد من القرية أثناء الجولة وقفت «عكاظ» على مقر احتفالات كبير يتوسط القرية، وبسؤالنا عنه اتضح أنه أعد من قبل الأهالي لاحتفالات عيد الفطر والاحتفالات الوطنية وكذلك الاحتفالات الاجتماعية مثل مناسبات الزواج. كما شوهدت أحواض المياه الأسمنتية التي وضعت لسقيا المزارع والمواشي خالية تماما من المياه. ويلحظ المار بجبال القرية انتشار الكتابة والنحت على الصخور والتي تعود إلى مئات السنين. من جهته، أكد رئيس قرية الجفر عبدالرحمن صلاح المحمدي أن هناك معاناة من ندرة مياه الشرب لدى أهالي القرية، مضيفا أن هناك معاملة دائرة لإيصال المياه للقرية. وبالاتصال على المتحدث الرسمي لصحة المدينة عبدالرزاق حافظ وسؤاله عن إمكانية توفير الخدمات الطبية في مستوصف قرية الجفر وإيجاد مقر حكومي لها، أكد أنه لا بد من الاستفسار من قبل وحدة الرعاية الصحية الأولية في صحة المدينة للتأكد من ذلك.