هناك سؤال يطرح نفسه هذه الأيام بقوة، وطرح بالفعل في كثير من الملتقيات الثقافية، والحوارات التي أجريت مع المثقفين في شتى البلاد العربية، وهو نوعية الأدب الذي سيطرح بعد هذه المرحلة من التغيرات التي طالت عالمنا العربي، بعد ركود طويل في ظل حيوات ساكنة، اكتست فيها الكتابة شيئا من ذلك السكون، أو تحدثت بصوت هامس لا يكاد يسمع. خوفا من تبعات صراخها لو صرخت. الحقيقة أن ثمة طرحا جديدا في كل مرحلة من مراحل الشعوب عامة، طرح يتوافق مع المحيطات والمؤثرات، ويحاول أن يتقصى أو يؤرخ، وبعض ذلك الطرح قد يقفز إلى مرحلة التنبؤ بما سيحدث مستقبلا، فيصيب أو يخطئ، وقد ظهر بعد نكسة 67، أدب قوي، خاصة في مجال الشعر، اتسم باللوم والتحدث عن التقاعس، وطرح تساؤلات عدة، وأذكر من ذلك النوع ما كتبه أمل دنقل وصنع الله إبراهيم، وعدد من الكتاب والشعراء الذين اعتبروا النكسة طعنات وجهت لهم شخصيا، كذلك ما كتبه شعراء المقاومة الفلسطينية أمثال درويش والقاسم وغيرهما، وكان جيلنا من الأجيال التي رضعت ذلك الأدب القوي، واعتبرته مرشدا لها في سكة الكتابة. الآن تمر الشعوب العربية بمرحلة جديدة هادرة، أن يخرج صوتها جليا بلا همس وهي تطالب بحقوقها، وتتعدى ذلك بأن تقوم بنفسها، بصياغة حقوقها، وصناعة تاريخ جديد، هكذا فجأة من دون أي مقدمات سوى تلك التي صاغتها الآداب الهامسة، أو التنبؤات الأدبية هنا وهناك. كان تعاطي الاحتجاج، حتى داخل رواية أو قصيدة شعرية، ممنوعا حتى عهد قريب، وكثيرا ما تعرضت الكتب التي ثارت داخل اللغة، أو فسرت بأنها ثائرة، إلى كثير من القمع، والمنع، وربما حوسب كتابها على ذلك. وهناك أمثلة بلا حصر على ذلك، لكن مميزات تلك المرحلة هي أن ارتقى الأدب كثيرا، ارتقى موضوعا ولغة، وتطور من كونه أدبا مسليا إلى أدب ذي مشروع، يمكن لأي دارس أن يعثر على ملامحه بسهولة. المرحلة الجديدة، يتبعها بالطبع أدب جديد. هنا ليس ثمة اضطرار للتحدث همسا، ولا ثمة اضطرار لكتابة اللافتات داخل الصدور، وقراءتها في الظلام، وشاهدنا في الإعلام المرئي، تلك اللافتات تكتب بالحبر الواضح وتطوف في الشوارع مثلها مثل أي نشاط عادي، يمارس بعادية مطلقة.. ما أتوقعه في الشأن الكتابي كثيرا، وهذه الأجيال الجديدة التي حملت على عاتقها مهمة وأد صمت آبائها، وضياع حقوقهم، قادرة أيضا على إنتاج أدب جديد، ربما اتسم بالحماسة، والنزعة التغيرية الجادة، وكتابة الأشياء كما هي. أيضا أتوقع ذلك في السينما والدراما التلفزيونية، وقد بدأت بالفعل تخرج روايات تؤرخ للثورة التونسية والمصرية، والثورات الأخرى التي مازالت تشتعل، وسمعنا شعرا جميلا، لا يشبه الشعر القديم، شعرا يتحدث بصدق وطلاقة، ويسمي الأشياء بمسمياتها. فقط ما أخافه، هو أن تحدث فوضى في الكتابة، ألا يصبح الخيال وقودا ضروريا، ونعرف أن الخيال هو وقود الكتابة الجيدة، ولطالما استمتعنا بذلك الخيال، في قراءتنا للروايات وقصائد الشعر. للتواصل أرسل رسالة نصية SMS إلى الرقم 88548 الاتصالات أو 626250 موبايلي أو 727701 زين تبدأ بالرمز 104 مسافة ثم الرسالة