منتهى البساطة والطيبة، هنا يمكن معايشة مواقف ومشاهدتها، وهنا يمكن معاينة أصالة الأحياء القديمة أو المثاليات الإنسانية للحارة. حي العدل الشعبي أو كيلو 9 هو حي الإنسانية في أبهى صورها، تخنقه من جهة الشرق ورش ومحال وضجيج، ومن الناحية الجنوبية طريق عام لا يكاد يهدأ، في تلك البيوت المحدودة والتي تخفي وراء أبوابها الستر والعوز والكفاف، تعيش أسر لا يمكن الشعور أبدا بوضعها الصعب بتلك السهولة المتوقعة. حي منسي الشاب سالم محسن الحيسي كان يجلس على (كابينة) موزع الكهرباء في ذلك الصباح ينتظر أمرا لم يأت بعد قال: حينا من الأحياء المنسية، فلا نظافة ولا صرف صحي ولا ماء للشرب، هناك من (لملم) بعض النقود من السكان، واقترح عليهم حفر بئر للماء تصل بالأنابيب لكل من ساهم فيها، المبلغ يدفع مرة واحدة وهو قيمة تكاليف الحفر، وهي جهود فردية من السكان ومن لم يستطع لازال يأتي بالماء لبيته بواسطة «الوايت»، وأود هنا طرح مشكلة تخصني فأنا خريج الصف الثاني تخصص كهرباء الظروف أوقفتني في هذه المرحلة، ولم أكمل والسبب مرض والدتي، فسعيت من أجل علاجها وظللت أراجع المستشفيات، وبالتالي توقفت عن الدراسة، وبعد محاولات عملت في (الكاشير)، لكن مشكلة عمل (الكاشير) في حالة وجود عجز في المبيعات تخصم الإدارة من المرتب، والذي لم يتجاوز 1200 ريال، في ظل الظروف القاسية التي أعيشها وأسرتي. تجاهلوا تعويضي في هذه اللحظة التي كان سالم الحيسي يتحدث قطع حواره حالما شاهد ابن جاره منصور سالم الباحري (28 عاما) يخرج من بيته دون أن يكون مرتديا قميصا، فقفز نحوه ونزع (قميصه) لكي يرتديه منصور وابتعد منزويا في الشارع الضيق، الحيسي فعل هذا لأنه يعلم ظروف جاره، وليتيح له فرصة التحدث والتصوير بصورة لائقة. تمت هذه الحركة بصورة سريعة حيث وقف (منصور) أمامي لكي يسرد وضعه المأساوي قائلا: أنا متزوج واضطررت عندما تضرر بيتنا من السيل، أن أرحل أولادي إلى «الديرة» وبقيت حيث توقعت التعويض مثل بقية المتضررين، لكن استلم بعض السكان، في حين لم يصرف عن أضرار منزلي، ولا أدري لماذا تجاهلوا ذلك. ولا يبتعد سالم بن يحيى في وضعه عن الآخرين، حيث قال: عشت وولدت في هذا المكان، وهذا منزلنا من زمن بعيد بسبب الظروف القاسية التي نعيشها صار بيتي بلا باب، وأصبح الباب قطعة خشب نضعها لكي يستر محتويات البيت الذي لا يتجاوز الغرفة. نظافة غائبة في الوقت الذي يتحدث محمد عوض البهلي عن الحي قائلا: لن أتحدث عن أي من المشاكل الخاصة لكن وبصورة عامة، يمكن معرفة حال السكان هنا من خلال رؤية شكل ومظهر منازلهم، لكن دعني اتحدث عن الحي، وكما قيل مسبقا لا اهتمام بشوارعه وأزقته، لأن الورش الخاصة بالسيارات تحيطه من كل الجهات، كما أن أقرب المدارس عن الحي تقع في حي الروابي، وأبناؤنا يسيرون نحوها مشيا رغم أخطار السيارات على الطريق العام وطريق مكةجدة القديم. وحقيقة، لا نستطيع أن ندفع عن كل طفل مبلغ يصل إلى 150ريالا، ولو كانت ظروف السكان تسمح بمثل هذا المبلغ لتمكنوا على الأقل من تأجير سيارة. أما بخصوص النظافة، فالمياه الآسنة تعتبر مشهدا يوميا مألوفا في الحي، ولهذا أصبحت جزءا من مظاهر الحي، هذا هو الحال في حي العدل (الشعبي) وتحديدا في كيلو تسعة. وتجمع النفايات والمخلفات مع وجود المياه الآسنة بين بعض البيوت، تعتبر مسألة مزمنة لم يتم حلها حتى اللحظة، لدرجة أن تلك المياه تعيق البعض عن دخول منازلهم، ما يجعلهم يوضعون الطوب أو قطع الكراتين من أجل أن يتحركوا عليها، كما أن بعض المنازل يقطنها العاملون في الورش والمحال التجارية التي تحيط بالحي. مياه الصرف عبدالله محمد من جانبه يقول للأسف الحي أصحبت له سمات لا تكاد تختفي، بالرغم من المحاولات المتكررة في إيصال أصواتنا للمسؤولين عبر البلاغات المتعددة عن هذه المشكلة، دون تحرك أو استجابة من أي جهة، فمياه الصرف الصحي تنتشر في أغلب أروقة الحي، وأصبحت تعيق تحركات الأهالي، كما أن وجود النفايات في بعض الأزقة أيضا يؤذي السكان من خلال انتشار الروائح الكريهة والحشرات.