رفض رئيس تحرير صحيفة عكاظ الأسبق الدكتور هاشم عبده هاشم أن يكون «الإعلام الجديد» هو الطرف الوحيد في صناعة الأحداث والثورات العربية، قائلا: «ربما يصدم كلامي البعض»، واستطرد هاشم مبينا أن الأوضاع الداخلية للدول التي حدثت فيها الثورات هي المحرك الأساسي والصانع الأقوى للثورات، فيما اقتصر دور الإعلام الجديد على التحريك فقط. وأكد الدكتور هاشم في محاضرته «الرسالة الإعلامية ودورها في ظل الأحداث العربية» في أحدية الدكتور أنور عشقي أخيرا، أن الإعلام الجديد استفاد من الآفاق المفتوحة وقلة الرقابة والسرعة في انتقال الرسالة الإعلامية وسقف الحرية الذي لا يوجد في الوسائل الأخرى ليكتسب المزيد من القدرة على التأثير في المتلقي. وصنف الدكتور هاشم الإعلام إلى ثلاثة أنواع، أولها إعلام يقول الحقيقة ولكنه يدفع الثمن غاليا إزاء هذه الحقيقة، وقد يعطي الحقيقة كاملة ولكنه لا يتفق مع أي طرف، أما الصنف الثاني بحسب رأي الدكتور هاشم فهو إعلام يقول نصف الحقيقة، وذلك هو الذي يعبر عن وجهة النظر المحدودة، ويتعامل مع طرف دون آخر، مشيرا إلى أنه إعلام تنويري يعبر عن رأي أو يتبنى قضية من القضايا أو موقف دولة خارجية. أما النوع الثالث فأسماه ب «الإعلام التعتيمي»، واصفا إياه بأنه «لا يمكن أن يحقق أي درجة من الإبلاغ»، واعتبره «خارج إطار المعادلة السياسية والثقافية». وتراجع الدكتور هاشم في تعقيبه على أحد الحضور، مبينا أن الحقيقة نسبية وليست كاملة، موضحا أنه «من الناحية العملية والنظرية هناك ثلاثة مستويات من الإعلام، لكن الحقيقة في الإعلام تظل نسبية في كل زمان ومكان تبعا لطبيعة الاعتبارات». وفي تعقيبات أخرى على مداخلات الحضور؛ أكد الدكتور هاشم أن أزمة الإعلام العربي ناشئة من أنه إعلام تابع وليس قائدا، مبينا «أن الإعلام القوي هو الذي يقود الأمة». وأضاف أن من خصائص إعلام الأزمات اختيار التوقيت المناسب للرسالة الإعلامية، الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عنها في التوقيت المناسب أيضا، اتخاذ قرارات وخطوات مهمة ينتظرها مجتمع الأزمة، والتخفيف والتخطيط الإعلامي للأزمة. وطرح الدكتور هاشم نماذج من الممارسة «الفاشلة» على حد تعبيره لإعلام الأزمات التي حدثت في بعض الدول العربية، موضحا أنها حدثت في غياب إعلامي سياسي أمني فكري فعال، وبتنهيدة أضاف: «هذا رأي، وربما أكون متجاوزا أو غير دقيق». ودعا الدكتور هاشم إلى البحث عن إعلام متوازن، «نحن في رحلة تحتاج إلى فكر إعلامي، والتوازن ليس الاستجابة أو الارتهان لما نحن فيه». وحدد إشكالية وشخصية الإعلام العربي قائلا: «الوسيلة الإعلامية لن تقوم بدورها في ظل غياب المعلومة أو عدم التعامل مع المعلومة بكفاءة»، مبينا أن «الإعلام العربي مزدوج الولاء، وتلك هي المشكلة الكبرى في ملامح شخصيته، ولن تكون هناك مهنية عالية في مستواه إذا كان بهذه الحالة». وعن دور الوسائل الإعلامية، طرح الدكتور هاشم استفهاما خطيرا ترك إجابته للمحليين والمختصين «هل نحن في حاجة إعلام مختلف يتغلب فيه العقل وتسود المهنية في جميع أطروحاته؟». ولم يكن ذلك التساؤل هو الوحيد في محاضرة الدكتور هاشم، بل طرح في بداية محاضرته عدة أسئلة وصفها عشقي في تعقيبه بأنها «مفتقة للذهن»، فيما رأى الدكتور هاشم أنها أسئلة تمثل عصب العملية الإعلامية، ومنها: هل إعلامنا العربي تعامل بنفس الكفاءة المطلوبة مع الأزمة الراهنة؟ هل الإعلام موفق أم أنه مجرد عارض للأفكار والقناعات؟ كيف تكون الوسيلة الإعلامية إذا كانت مجرد ناقلة للمعلومة؟ كيف يوفق الإعلام بين مؤسسة الحكم وسلطة الشارع في أي مكان؟ ما هي حدود حرية الرأي؟ أين يجب أن يتوقف سقف الحرية؟ وكيف نوفق بين الضوابط والكوابح للإعلام وبين حرية التعبير المكفولة إعلاميا؟. الدكتور هاشم الذي تنهد كثيرا في محاضرته، وكأنه يتحسر على الإعلام العربي، أكد «أن الإعلام أداة من أدوات السياسة الخارجية والداخلية لأي بلد، أي أنه ليس مجرد شكل في الصياغة الفكرية أو التفاؤل الذي لا يتعامل مع قضايا الفكر والسياسة». وأوضح أننا «مجتمع إقصائي بحكم ثقافتا التي لا تعرف الآخر ولا تعترف بالتعددية الفكرية»، وخلص هاشم للقول «نحن في بلد يدعو إلى التعايش والثقافات، ولا بد أن نتعايش مع بعضنا البعض، والأولوية يجب أن تكون في كيفية التعايش، فنحن نعاني من التطرف والتعصب في حياتنا اليومية، وهذا يعني أننا في حاجة إلى إعلام عقلاني وموضوعي».