أنعشت الأوامر الملكية (الجمعة الماضية)، آمال شرائح متعددة من ألوان الطيف الاجتماعي في المملكة، في توفير العيش الكريم لكل مواطن خاصة الأوامر المتعلقة منها بمعالجة مشكلات الفقر والبطالة، الإسكان وزيادة أعداد أفراد الأسرة المستفيدين من مخصصات الضمان الاجتماعي، واعتماد مبلغ 3000 ريال كحد أدنى للأجور، صرف راتب شهرين لموظفي الدولة ومكافأة شهرين لطلاب التعليم العالي، وتخصيص راتب 2000 ريال شهريا للباحثين عن العمل وتخصيص 250 مليارا لبناء 500 ألف وحدة سكنية. هذا الاستطلاع، يرصد مدى الفوائد التي سيجنيها عدد غير قليل من المواطنين في تحسين أوضاعهم ومستوياتهم المعيشية، فيما يلقي عدد من المسؤولين والمشتغلين بالهم الاجتماعي الضوء على الآثار التي يمكن أن تحدثها هذه الأوامر الملكية على حياة البسطاء وتحقيق أقصى فائدة منها حد توديعهم للفقر. مرض وشلل في عسير جالت «عكاظ» في قرى تهامة قحطان وشهران والتجمعات السكانية المنتشرة في جبال وأودية وسواحل المنطقة ورصدت العديد من الحالات المعدمة أولها لخمسيني عاجز عن الحركة أو إطعام نفسه لمعاناته من شلل رباعي يدعى عبدالله الشهراني، يسكن مع والدته الكبيرة في السن التي تقضي يومها في رعي الأغنام، تقول أم عبدالله: إنها لا تطمح لشيء سوى الاستفادة من هذه الأوامر في تحويل ابنها إلى أحد دور الرعاية، خاصة بعد أن بلغت من العمر عتيا، وأخذت أمراض الشيخوخة تنهش جسدها وجسد ابنها المقعد. أما متعب دشان محمد، من وادي سريان بتهامة قحطان، فقد أصبح عاجزا عن الحركة والرؤية بعد أن تجاوز ال80 ويقبع في عشة من القش هو وأفراد أسرته الذين يزيد عددهم على 10 أشخاص. يقول: إنه لا يستطيع مغادرة قريته النائية لأنه لا يملك ما يعينه على مواجهة أعباء الحياة وتوفير متطلبات أسرته خاصة أن ما يتقاضاه من الضمان الاجتماعي لا يفي باحتياجاتهم إلا لأيام قليلة وأمله أن تسهم هذه الأوامر الملكية في إخراجه من عزلته. توفير السكن ويتخذ مفرح معيي معسلف من سفوح أحد الجبال المطلة على وادي اللحجة في تهامة قحطان سكنا له، وتشاركه ابنته غيضة، ذات ال50 عاما، يقول مفرح: إنه لا يبحث عن عملية لمرضه بعد أن تجاوز عمره ال70 ولكنه يأمل في أن تسهم الأوامر الملكية وما تضمنته من مخصصات للإسكان في توفير سكن له خاصة أن الموقع الذي يقطنه هبة من أحد الأهالي كما يأمل في أن يحصل على الضمان هو وابنته في ظل عدم وجود مصدر رزق لهما. مسلية بلا يدين أما مسلية، التي تسكن في أعلى قمة جبل عدن في تهامة قحطان، فبدت بلا يدين بعد أن فقدت أصابعها العشرة بسبب مرض الجذام، وانتقل إليها المرض وإلى أخيها الذي توفي إثر معاناة طويلة مع المرض واقتصر الأمر على كفين مشوهين عبارة عن قطعتين من اللحم لا تمكناها من رعاية ابنها ذي الأربعة أعوام، أو رعي أغنامها التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، فقد استبشرت خيرا بصدور الأوامر الملكية الأخيرة، وتمنت أن تجد نصيبها في الضمان في ظل عدم وجود أوراقها الثبوتية التي حالت دون تحقيق هذا الأمل. جذام ومرض نفسي ولا يختلف الحال بأخيها علي سلمان مسفر، الذي يعاني أيضا من مرض الجذام، ويعول أسرة كبيرة، يسكن بهم في عشة منحها له أحد الأهالي، فيما يعاني ابنه الأكبر، من حالة نفسية تجعله يهيم على وجهه، غير مدرك لما يجري حوله. ويصف علي غرامة، الوضع الذي يعيشه بأنه غير آمن في ظل عدم وجود أي مصدر دخل له سوى ما يعود عليه من رعي الأغنام، مؤكدا أنه لا يكفي عائلته الكبيرة ولا تلبية احتياجاتها. دراسة جامعي في جنوبمكةالمكرمة، في قرى طفيل، السعدية والمزنان، تتجلى أكثر المشاهد إنسانية، فخلف كل خيمة قصة تقطر بالمعاناة، خاصة معاناة عدد من الصم والبكم، الذين يعيشون بلا معونات، حيث كشفت دراسة أعدها الطالب سعدي علي الغامدي، من كلية العلوم الاجتماعية في جامعة أم القرى في مكةالمكرمة، شملت 544 أسرة، موزعة على 16 قرية جنوبيمكةالمكرمة، عن ارتفاع البطالة بنسبة 31 في المائة، بسبب انخفاض مستوى الشهادات العملية وقلة الخبرات المهنية ووجود إعاقات ذهنية وبدنية، وبينت الدراسة أن 32 في المائة من الأسر دخلها يتراوح ما بين 701 إلى 1500 ريال شهريا، وأن 52 في المائة من السكان يعيشون داخل بيوت شعبية، 18في المائة داخل خيام، 17 في المائة داخل بيوت مبنية بالحجر، 11 في المائة يحتمون بمساكن الصفيح (الصناديق). وأشارت الدراسة إلى انخفاض نسبة الأسر التي تملك بعض السلع المعمرة، حيث بلغت الأسر التي تمتلك أجهزة غسيل الملابس 31 في المائة، فيما بلغت نسبة الأسر التي تمتلك ثلاجات 32 في المائة فقط. وأبانت الدراسة، أن 70 في المائة من أسر قرى جنوبمكةالمكرمة، تعتمد على الجوالين لجلب الماء، الأمر الذي أثقل كاهل أرباب الأسر لصعوبة التعبئة والتفريغ اليومي، فيما بلغ معدل الأسر التي تعتمد على المواسير المائية 1 في المائة فقط، بسبب انعدام شبكة المياه، وأن 59 في المائة من الأسر تعتمد على الكيروسين، في الوقت الذي يعتمد 87 في المائة في المملكة على التيار الكهربائي، وبينت الدراسة ارتفاع نسبة مستخدمي الحطب في منطقة الدراسة بنسبة 55 في المائة، كمصدر رئيس للطبخ والطهي، وأظهرت الدراسة أيضا، أن 53 في المائة من أسر المنطقة لا توجد لديهم دورات مياه لقضاء الحاجة، فيما بلغت نسبة من لا يملكون دورات مياه في المملكة سبعة في المائة فقط. وعن أبرز الخصائص الصحية لأسر قرى جنوبمكةالمكرمة، أظهرت الدراسة أن 18 في المائة من الأسر تحتوي على إعاقة بعدد 101 معاقين، فيما ارتفعت نسبة الذكور المعاقين ب75 في المائة بعدد 76 معاقا مقابل الإناث بعدد 25 معاقة، وقد اعتبر المرض النفسي أكثر الإعاقات انتشارا. وأوصت الدراسة بدعم الضمان الاجتماعي بتوسيع خدماته في المنطقة وتقديم القروض وحث الجهات الخيرية للمشاركة في برامج الإيواء والتغذية والتأهيل واستثمار العنصر النسائي بالتدريب والتأهيل وزيادة الدعم الحكومي للطلاب والطالبات في ظل انقطاع بعضهم عن الدراسة، بسبب عدم توفر النقل المدرسي، وعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات الدراسة. وتعتبر قرية المزنان التي تبعد عن جنوبمكة بنحو 70 كلم، صورة ناطقة عن أحوال الفقراء، حيث تفتقر لأبسط مقومات الحياة فلا كهرباء ولا ماء رغم أن محطة الشعيبة لا تبعد عنها بأكثر من ثلاثة كلم، ولا يعرف سكانها مصدر دخل آخر سوى مخصصات الضمان الشهري. يقول مطيع المزيني، أحد سكان القرية: أكثر من 100 عام عمر علاقتنا بهذه المنطقة ولا نعرف مصدرا نعتمد عليه سوى الماشية لكننا، وقد آثرنا قبل 15عاما الإقامة داخل الخيام، فيما تبلغ المعاناة ذروتها عند هطول الأمطار أو هبوب الرياح التي تقتلع هذه الخياممن جذورها. فرحة طالب وفي الطائف، ظل ماجد الحسني، خريج ثانوية عامة تسعة أعوام، بلا وظيفة، فيما رفضت الجامعات قبوله حتى جاء قرار إعانة الباحثين عن العمل ليفتح أمامه نافذة من الأمل لقضاء حاجياته بدلا من أن يمد يده للناس ويرى أن تلك الإعانات تمثل لهم تحديا كبيرا لإثبات الذات. ويوافقه الرأي فواز حسن، الذي قال: إن قرار إعانة الباحثين عن عمل، أشعرنا بالأمان الذي كنا نفتقده في ظل عدم وجود أي مصدر دخل لنا، وشح الوظائف. سداد للمخالفات وفي جانب آخر، يعتزم علي الزهراني، طالب جامعي، الاستفادة من مكافأة الشهرين في تسديد مخالفاته المرورية، حيث سجلت عليه قسائم مرورية متراكمة بأكثر من أربعة آلاف ريال. ووصفت أم عبدالله، الأوامر الملكية قد أشعرتها بأن هناك من يقف إلى جانبهم، ويسعى جاهدا لتوفير لقمة العيش الكريم لهم، وهذا بحد ذاته شعور يجعلهم يشعرون بالسعادة. وفي القنفذة، ومنذ صدور الأوامر الملكية و14 طفلا يتيما ينتظرون انعكاس أوامر معونات الضمان أو السكن عليهم حسب قول أخيهم إبراهيم المرحبي، أحد سكان قرية الشعبة. وقال حمد الزبيدي وأحمد مسيب العيسى من سكان المظيلف، إنهما ينتظران موعد تقديم الطلبات للحصول على مسكن يؤويه مع أسرتهما المعدمة. دور العمد وقال أحد المهتمين بالعمل الخيري في الجموم، حامد البركاتي، إن الخطوات الأهم، هو تفعيل دور عمد الأحياء وشيوخ القبائل ورؤساء المراكز في المحافظات، في التعريف ببرامج الإسكان والضمان والمساعدات. فرحة بالأوامر من جهته أشار عضو مجلس منطقة عسير وأمين جمعية البر في أبها، أحمد أبو حمامة، أن الجمعية تجري عمليات بحث ميدانية لرصد مدى احتياج هذه الفئات، بما يضمن دعم الأسر المنتجة وإقامة مشاريع للصناعات الحرفية واليدوية، وتخصيص مواقع لهم في الأماكن التي تقام فيها الفعاليات والمناسبات العامة، مشيرا أن المستفيدين من الضمان سيلمسون انعكاس الأوامر الملكية على مستواهم المعيشي. العيش داخل الخيام وأشار مدير جمعية البر لقرى جنوبمكةالمكرمة، عابد الحسني، أن أكثر من 100 فرد يعيشون داخل خيام، لافتا أن لدى الجمعية مشروعا كبيرا لبناء مدينة خيرية لجمع شتات الفقراء هناك وتم اطلاع أمير مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل الذي دعم الفكرة، موضحا أن الأوامر الملكية الأخيرة في مجال الإسكان ستزيد من فرص بناء المدينة. تعاون الجمعيات ومن جانبه أكد عبد الله الروقي، مدير الضمان في العاصمة المقدسة، أن الأوامر الملكية دفعت بمكتب الضمان نحو فضاء غير مسبوق وحوله لداعم قوي لسد فجوة الفقراء من خلال البرامج المتنوعة التي ينفذها، مؤكدا على أهمية تعاون الجمعيات الخيرية العاملة للكشف عن الحالات الجديدة. تحسين المعيشة وإلى ذلك أوضح مدير مكتب الضمان الاجتماعي في القنفذة، شائق محمد شائق، أن أكثر من 17 ألف مواطن في القنفذة يستفيدون من خدمات الضمان، لافتا أنه سيكون للأوامر الأثر الإيجابي في انتعاش الأسر ماديا وتحسين أوضاعها المعيشية. بشارة كبيرة وقال مدير الضمان الاجتماعي، في الطائف عثمان القصير، إن أمر زيادة أعداد الأسر المستفيدة من الضمان من ثمانية إلى 15 شخصا، كان من أكثر الأوامر التي أسعدت المستفيدين، حيث غالبيتهم من المتزوجين بأكثر من امرأة ويعولون أسرا كبيرة، فكان قرار زيادة أعداد أفراد الأسرة المستفيدين من الضمان بشارة كبيرة لهم.