يحدثنا تاريخ الإنسانية عن ثورات الشعوب والأمم من أجل محاربة الفساد، وتحسين الأوضاع المعيشية، اجتماعيا وصحيا وتعليميا، لكننا لم نسمع من قبل عن حاكم ثار على الأوضاع المزعجة لشعبه، وقلبها رأسا على عقب، محدثا تحولا جذريا في حياة شعبه. في الأيام القليلة الماضية، أبهجنا خادم الحرمين الشريفين بخطاب مؤثر، قصير في زمنه، عميق في مضمونه، ثم أعقبه نحو عشرين أمرا ملكيا، تمثل ثورة عارمة، وتغييرا كبيرا، في حياة الشعب السعودي. أوامر ملكية سامية، ذات أبعاد مترامية، ما أظن أن سعوديا واحدا لن يستفيد منها، بلغت في جوانبها المادية ما يقرب من مائتين وسبعين مليار ريال، أما آثارها الاجتماعية والنفسية، فهي عميقة بحق، متغلغلة في شتى دروب المجتمع ومسالكه. ففي بداية الخطاب، أوضح الملك حقيقة قد يغفل عنها الكثيرون، وهي تؤكد حميمية العلاقة بين القائد وشعبه، عبارة بسيطة في كلماتها، غزيرة في معانيها، لمن فتح الله تعالى عليه، وأنار بصره وبصيرته، وذلك باعترافه أنه يستمد العون بعد الله تعالى من الشعب، اعتراف من القائد بمكانة هذا الشعب من نفسه، ومن أقواله وأفعاله. وفي ختام الكلمة قال «لا تنسوني من دعائكم» وما سمعنا في عصرنا هذا حاكما ملكا كان أم رئيسا أم أميرا يطلب الدعاء من شعبه، بل على العكس، نرى ونسمع عن حكام وصفوا شعوبهم بالجراثيم والجرذان ونحوها، وإذا كانت الشعوب كذلك، فعلى هيئتها يكون حكامها. ولما كان الفساد ظاهرة لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات، فقد كان الأمر الملكي بإنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد، على أن تتبع المليك مباشرة، لضمان نزاهتها، ومنحها الجرأة في اتخاذ القرارات. لقد كانت هذه الأوامر استجابة أبوية لما يفكر فيه أبناء الوطن، وحب الملك، الذي ملك القلوب، قبل أن يكون ملكا للبلاد. الكرة الآن في ملعب هذه الجماهير والحشود. لا تكفي الهتافات والاحتفالات، ولا تكفي المقالات والخطب، وإنما علينا أن نواجه هذه الأوامر الملكية، بأعمال وأفعال تعمق من الحب المتبادل بين القائد وشعبه، بين الراعي والرعية، مطلوب أن نقف في وجه الفساد، وبخاصة في المحليات والمؤسسات والهيئات الحكومية، وألا نتستر على المرتشين وأصحاب «الواسطة»، وأن نبلغ عن أية حالة من الفساد، مهما كان المتورطون فيها، فنظافة الوطن دلالة على نظافة أهله ومواطنيه والعكس. مطلوب منا أن نرد الجميل للوطن، وأن نعمل بجد وإخلاص وتفان، فلن تؤتي هذه «الأوامر الملكية» ثمارها دون تعاون من المواطنين. حماية الجبهة الداخلية مطلب حيوي وضروري وأولي، وهذا يتطلب منا وأد الفتن، وعدم تعطيل دولاب العمل. إدراك واع من خادم الحرمين الشريفين بالأسس التي تقوم عليها الأمة، والتي تحفظ لها استقرارها وعوامل بقائها رائدة في هذا العالم: القوة العسكرية والأمنية، والعلماء الأجلاء، وكتاب الله تعالى. ليس هذا كل ما في الأوامر الملكية، فمفاجآته السعيدة لا تتوقف. سلمت لنا أيها الملك، وبارك الله تعالى فيك، وأتم عليك الصحة والعافية، فنحن جميعا ندعو لك، كبارا وصغارا، رجالا ونساء، بل ستدعو لك الأجيال القادمة، ونحن معك، حبا لشخصك، وحبا لوطن. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 177 مسافة ثم الرسالة