أفنوا عمرهم في عرض البحر في رحلات صيد كانت تمتد لأكثر من شهر بحثا عن الأسماك، وبعد أن تقدم بهم العمر إلى أكثر من 70 عاما كان لا بد أن يتقاعدوا عن هذه المهنة، ولكنهم اعتادوا على أن يلتقوا جميعا عند شاطئ البحر في الميناء القديم لاستعادة ذكرياتهم والبوح بهمومهم. العم محمد عودة البلوي، 75 عاما، روى أنه كان يرتاد البحر منذ طفولته برفقة والده، وكان يمارس مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ ونقل بعض البضائع من الوجه إلى بورتسودان بواسطة المراكب الشراعية المصنوعة من الخشب، في رحلة تستمر شهرا، يقضونه في عرض البحر، يواجهون في بعض الأحيان المخاطر خصوصا عند هبوب الرياح وارتفاع الأمواج، وبين أنه رغم صعوبة الحياة في تلك الفترة إلا أنها كانت تمتاز بتعاون السكان، ووجود ألفة كبيرة بينهم، وكأنهم أسرة واحدة، مضيفا «تركت مهنة الصيد منذ خمس سنوات إلا أنني أحرص على زيارة الميناء القديم لألتقي بأصدقائي الذين زاملتهم في مهنة الصيد لسنوات طويلة، نجتمع لاستعادة ذكرياتنا القديمة في البحر، والبوح لبعضنا البعض عن هموم حياتنا اليومية»، لافتا إلى أن هذه اللقاءات تبدأ بعد العصر إلى صلاة المغرب يوميا. وأوضح العم علي سليم العرادي، 70 عاما، أن علاقته بالبحر بدأت منذ الصغر حتى بلغ سن الشباب، بعدها توجه للعمل فرانا منذ العام 1376ه، واستمر في عمله هذا لمدة 16 عاما، ثم انتقل للعمل في أحد القطاعات الحكومية، ثم عمل في إمارة المحافظة لمدة خمس سنوات، وعقب ذلك عمل في أحد البنوك 14 عاما، ثم تقاعد وعاد مجددا لمهنة صيد الأسماك، واستمر فيها حتى الآن من أجل تأمين لقمة العيش لأبنائه، وقال «اعتدت أن أخرج للبحر بعد صلاة الفجر في رحلة صيد تتراوح فترتها بين 8 و 12 ساعة»، مشيرا إلى أنه في بعض الأيام التي لا يخرج فيها للصيد، يحرص على الالتقاء بعدد من أصدقائه في الميناء القديم لاستعادة ذكرياتهم ومغامراتهم البحرية. أما العم مصطفى المعيطي، 72 عاما، فقد نشأ يتيم الأب والتحق بالمدرسة الابتدائية، وبعد تخرجه منها التحق بوظيفة مأمور جوازات، ثم انتقلت خدماته لأحد الأجهزة الأمينة، حيث عمل مديرا لشؤون الموظفين ورئيسا لقسم المحاسبة وفي عام 1422ه أحيل للتقاعد، فاشترى مركب صيد وبدأ في مزاولة مهنة صيد الأسماك، وتوسع في نشاطه، وامتلك عددا من قوارب الصيد، وأصبح يسوق ما يصيده من الأسماك في سوق السمك في الوجه، وما يتبقى يصدره لعدد من مناطق المملكة، وفي بعض الأيام التي لا يخرج فيها للصيد يتوجه للميناء القديم ليجتمع مع عدد من زملاء المهنة من الصيادين القدامى، ليبوح كل واحد منهم بهمومه للآخر، واستعادة الماضي ورحلاتهم البحرية التي كانت تستغرق الواحدة منها في بعض الأحيان شهرا في عرض البحر. من جانبه، بين العم أحمد راشد البلوي، 60 عاما، بأنه زاول مهنة الصيد منذ زمن طويل عندما كان يعمل في أحد القطاعات الحكومية، وبعد تقاعده تفرغ تماما لمهنة صيد الأسماك، حيث يخرج بعد صلاة الفجر ولا يعود إلا عند غروب الشمس، وفي إحدى الرحلات كان برفقته أحد أصدقائه وظلا في البحر حتى المساء، وعندما قررا العودة فوجئا بتعطل ماكينة القارب، ما أجبرهما على التجديف لمسافة 40 كم تقريبا ولم يصلا إلى الشاطئ إلا عند الفجر، وبين أنه يجتمع في بعض الأيام مع الصيادين القدامى على شاطئ البحر في الميناء القديم. ويعمل العم عوض محمد جدعان، 73 عاما، في مهنة صيد الأسماك منذ صغره، وحتى بعد التحاقه بالوظيفة كان يخرج للصيد، عمل في التحلية 17 عاما ثم في البلدية خمسة أعوام ثم في المستشفى خمس سنوات، وبعد تقاعده أصبح يقضي معظم وقته في البحر، من الصباح حتى المساء، علم بعض أبنائه مهنة الصيد التي باتت مصدر رزقهم، وفي أيام الخميس والجمعة يلتقي ببعض أصدقائه من الصيادين في الميناء القديم ويمضي معهم أجمل اللحظات.