لم يتورع كاتب على قناة تلفزيونية رسمية حين أعيته الحجة في برنامج رياضي منقول على الهواء مباشرة عن التعريض بأصل أحد محاوريه لمجرد أن الآخر من المنطقة الغربية. والمحزن في القضية أن المواطن الذي وصف نفسه بسعودي الأصل والمنشأ والولادة للتعريض بأصل مواطن يظن بأنه ليس سعودي الأصل والمنشأ والولادة ليس بجاهل غر فيعذر، ولا هرم خرف فيؤجر. بل إنه من المحسوبين على طائفة الكتاب وأصحاب الرأي. أما الآخر الذي تلقى الإهانة العنصرية فمن أشد الناس استفزازا لمحاوريه، ويبدو أن مهاجمه يعرف طبيعته جيدا، فقد كان رد فعله على ما تلقاه من إهانة أن أخذ قطعة بسكويت أو لا أعلم ماذا وأخذ يلوكها وهو يرسم على وجهه ابتسامة بلهاء وكأنما شيء لم يحدث، وفي الوقت الذي حاول فيه منظم الحوار أن يخفف من وقع ما حدث استفزه منظر هذا الذي يلوك الطعام ويتبسم فقال له.. وتأكل..يا برود أعصابك يا أخي؟، أما لماذا فقد المشارك هاتفيا أعصابه وهاجم محاوره بتلك الطريقة الممجوجة التي لا تدل إلا على الإفلاس وانعدام الحجة؟ فذلك لأنه متعصب هلالي والآخر متعصب اتحادي. ولسوء الحظ أن الفريقين ينتميان لمنطقتين مختلفتين ولكل منهما مناصرون عمي البصيرة والإحساس من نوعية هذين المتحاورين. فهل يعقل أن تسخر الرياضة من قبل قلة قليلة من هؤلاء للنيل من مواطنة المواطنين وتحقيرهم والتقليل من شأنهم بالقول والفعل إن أمكن؟. وبصرف النظر عن أية اعتبارات وعن ملابسات الموقف الذي وجد المتحاوران نفسيهما فيه، هل يعقل أن يكون آخر سلاح في كسب الحوار وإخراس الطرف الآخر سلاحا عنصريا؟، هكذا بكل بساطة نتناسى ديننا وأخلاقنا ووحدتنا الوطنية حينما تعيينا الحجة أو نستفز من طرف لا ينتمي لمنطقتنا؟، ماذا لو كان الخلاف بين هذا المهاجم وأحد مشجعي فريق آخر من فرق العاصمة؟، هل كان سيتلفظ بمثل ما تلفظ به؟، ثم لماذا افترض بأنه أكثر أصالة من الطرف الآخر لمجرد أنه ينتمي لمنطقة والآخر ينتمي إلى منطقة أخرى؟، ما أدراك عن أصله وفصله؟، حتى لو كانت جذوره تعود إلى بلاد واق الواق. أليس في واق الواق قبائل مثل ما عندنا؟، ثم ماذا لو قمنا بعمل فحص طبي للصبغة الوراثية دي إن ايه للاثنين؟ قد تنقلب عندها النتيجة ومن يظن أنه من هنا يظهر أنه من هناك. هل تعلمون بأن الإسرائيليين توصلوا بعد بحوث مضنية إلى الصبغة الوراثية التي جزموا بأنها لسلالة بني إسرائيل وأنها لا تنطبق على غيرهم من السلالات البشرية؟، فماذا كانت النتيجة؟ وجدوا أن تلك الصبغة الوراثية تنطبق تماما وبشكل مذهل على الفلسطينيين في الأرض المحتلة أكثر مما تنطبق على مغتصبي فلسطين ممن يدعون بأنهم من سلالة إسرائيل. وبالرغم من عدم اعتزامي إلقاء محاضرة دينية هنا لعلمي بأن هناك من هم أقدر مني على ذلك، إلا أنني أتشرف بإيراد حديث نبوي شريف يلخص فيه سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مجمل القضية، فقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي ولدت غلاما أسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك إبل؟، قال: نعم، فقال: فما ألوانها؟، قال: حمر، قال: فهل يكون فيها من أورق؟، قال: إن فيها لورقى، قال: فأنى أتاها ذلك؟، قال: عسى أن يكون نزعه عرق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عرق. فهذا حديث شريف من الأحاديث التي تزيد من عمق إيمان الإنسان بدينه وبمعجزات النبوة التي ستبقى على مر الأزمان شاهدة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى. فالصفات الوراثية مثل لون البشرة أو الشعر أو العينين قد تتنحى في جيل لتظهر في جيل آخر قريب أو بعيد. وهذا ما أثبته العلم بعد أكثر من 1400 سنة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والشاهد هنا أن أصولنا التي نعرفها هي ما نقل إلينا بالتواتر عن آبائنا والتي أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بحفظها حتى نصل أرحامنا فقط لا غير. أما حقيقتها فلا يعلمها إلا خالقنا العظيم الذي جعل في الحياة أسرارا لا حصر لها وأمرنا بالتدبر فيها واستكشافها حتى نزداد علما. ولذلك أجدني مضطرا لاقتباس مقطع من مقالة سابقة لي في «عكاظ» نشرت في العدد 3489 بتاريخ 5 يناير 2011 تحت عنوان «القبلية والمناطقية»، حيث قلت بالنص الحرفي إنه لا بد من تحديد مفهوم العنصرية بمختلف أشكالها العائلية والقبلية والمناطقية، واستصدار حزمة من القوانين والتشريعات التي تجرمها وتحدد العقوبات والتعويضات المترتبة عليها حتى يعلم كل من تسول له نفسه بالتعالي على الآخرين أو حرمانهم من حقوقهم ما يمكنهم فعله لمحاسبته ومقاضاته وفضح سلوكياته غير السوية. ولعل الغرب الذي نتهمه بكل ما قال مالك في الخمر قد حسم مثل هذه القضايا منذ أمد بعيد فأصدر قوانين لحماية الأقليات العرقية والدينية وبعض الفئات الاجتماعية وحتى الشقراوات اللاتي كن عرضة للسخرية والتنكيت في وقت ما، أعطاهن القانون الحق في مقاضاة من يتبجح عليهن بمثل هذه النكات ومعاقبته وتغريمه. وتأتي أهمية الجانب الحقوقي في القضية من منطلق أن بعض القبائل وسكان بعض المناطق أصبحوا عرضة للسخرية والنكات البذيئة لمجرد انتمائهم إلى تلك القبائل أو المناطق. فأصبح من الضروري إخراس تلك الأفواه (البخراء) التي تتفنن في اختراع النكات وترويجها للحط من قدر فئات اجتماعية معينة في محاولة لوضعها في صورة نمطية تمتهن حقوقها الإنسانية والاجتماعية. وأزيد على ما قلت إنه من الخير لنا أن نبدأ فورا في محاربة العنصرية من القطاع الرياضي وذلك بطرد كل من تسول له نفسه اللعب على هذه الأوتار العنصرية المنتنة لظنه أنه يمكن أن يعزز موقف فريقه بالعزف عليها من هذا الوسط النبيل الذي توظفه الأمم في تعزيز علاقاتها والانفتاح المتبادل على ثقافاتها المختلفة، في الوقت الذي نرى فيه من يسممون وسطنا الرياضي بمثل هذه الأقوال والممارسات التي تنخر في بناء وحدتنا الوطنية مثل السوس دون رادع أو وازع من خلق أو ضمير.. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 130 مسافة ثم الرسالة