أحتفظ ببعض الصحف القديمة والتي تحمل مواضيع هامة وأعود إليها من وقت لآخر وقد قرأت فيما مضى للدكتور محمد البار المدينة (11/10/1429ه) «بركان عدن، نار تخرج من اليمن إيذانا باقتراب الساعة». وذكر في مقولته إن هناك أبحاثا جيولوجية تؤكد وجود عدن على فوهة بركان، وأنه سوف يخرج من عدن بالإضافة إلى البركان نحو اثني عشر ألفا لنصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذه بشارة كبرى يقول الدكتور لأهل عدن. وجاء بحديث في مسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (يخرج من أبين عدن اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم). وعبارة (هم خير من بيني وبينهم) إذا أخذها المرء على ما هي عليه فإنها تعني أن هؤلاء العدنيين هم أفضل الناس جميعا ممن عاشوا من بعد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى زمنهم. والخلاصة أن هؤلاء الاثني عشر ألفا سوف يكونون أفضل من بعض الصحابة ممن عاشوا بعد وفاته عليه الصلاة والسلام وأفضل من التابعين ومن تبعهم إلى تاريخ هؤلاء الاثني عشر ألفا!!، فهل يقول بهذا أحد من عامة الناس والدهماء فيهم، لقد وقع البعض في كثير من المغالطات بأخذهم الأحاديث بعلاتها (بالغميضي!!)، من غير تنقيح ولا ترجيح. ولقد قرر أهل العلم أن من العلل التي توجب إيقاف العمل بالحديث في ما ذكره ابن حجر في النخبة (ص45)، أن يكون مضمون الحديث مخالفا لصريح المعقول. وهل ثمة مخالفة لصريح العقل أكثر من القول بأن هناك اثني عشر ألفا من الناس سوف يخرجون في آخر الزمان ويكونون أفضل من الصحابة والتابعين من بعدهم؟!، ولقد أجهد الدكتور البار نفسه في الاستشهاد بأقوال علماء الحديث لبيان أن الراوي لهذا الحديث وهو المنذر بن النعمان ثقة، مع أنه لم يعتبره لا البخاري ولا مسلم من رجال الصحيح. ولم يعرج الدكتور البار ولا على حديث واحد مع كثرتها في البخاري ومسلم من الأحاديث التي تنقض ما جاء من عند العدنيين وبركانهم. وراح بدلا من ذلك (يبحث) في شروحات النووي لهذا الحديث لإزالة أي تردد في أذهان الناس في قبوله، مع أن الحديث معلول بالراوي المنذر وموقوف على الصحابي حذيفة. والموقوف والمعلول لا يأخذ حكم الصحيح كما ذكره ابن حجر في النخبة (ص45). فكان من الأكمل والأجمل في حق الدكتور البار أن يذكر ما ورد من أحاديث في صحيح البخاري ومسلم مما هي في تعارض واضح مع حديث بركان عدن والعدنيين. فقد جاء في صحيح مسلم (1148/6423) عن أبي هريرة قوله عليه الصلاة والسلام (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم). وروى هذا الحديث أكثر من صحابي واحد، منهم عائشة وعمران بن حصين وأبو هريرة وفي البخاري ابن سعد وعمران بن الحصين، وترك الدكتور البار هؤلاء الصحابة وراح يجهد نفسه خلف حديث معلول موقوف ليرفع أهل عدن فوق منزلة الصحابة!!، أما في ما يتعلق ببركان عدن فقد ذكر الدكتور البار ما رواه مسلم (1314/7233) من حديث حذيفة قوله عليه الصلاة والسلام (لا تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات)، فذكر حذيفة الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم. فالحديث أولا موقوف على الصحابي، لأن كل ما ذكره من هذه الآيات أو علامات الساعة ليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم إذا كان آخر هذه الأحداث خروج هذه النار من عدن تسوق الناس إلى المحشر، فهل خروج الناس إلى المحشر هو علم من علامات الساعة أم أنه حدث من أحداثها؟!، فهل ينتظر بلايين الناس في مشارق الأرض ومغاربها حتى تأتي إليهم هذه النار العدنية!!. وتوجههم إلى المحشر؟! وأين أرض هذا المحشر؟ يقولون إنها في بلاد الشام، كما جاء في الشروحات. أي شام هذه التي يحشر إليها هذه البلايين من خلق الله على وجه الأرض؟!! أين هذا الكلام من قوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم، إن زلزلة الساعة شيء عظيم). وقوله تعالى (إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها) وقوله تعالى (إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت) وقوله تعالى (فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة، وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة). هذه هي الآيات التي تصف أحداث يوم القيامة، فهي عامة شاملة لكل صغيرة وكبيرة على وجه الكرة الأرضية بأكملها جبالها وسهولها وبحارها وسمائها وقبورها وكواكبها ونجومها. ثم يأتي الدكتور البار يتقوقع بأحداث يوم القيامة بنار تخرج من عدن تسوق الناس إلى بلاد الشام!! أي شام هذه وأي محشر هذا إزاء ما ذكر من الأحداث العظيمة الرهيبة المهيلة التي ذكرتها الآيات. ولقد انتقى الدكتور البار هذا الحديث (العدني!!) من علامات الساعة، مع أن الإمام مسلم ذكر في نفس الباب بعد حديث نار عدن هذا أحاديث أخرى منها (1325/7233)، (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تسوق الناس إلى المحشر). ومنها (1318/725)، (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس إلى المحشر بعصاه). رجل واحد من قحطان يسوق ملايين البشر إلى المحشر!! ويسوقهم بعصاه في يده!! أي عقلية هذه التي تتعامل مع هذه الأحاديث وتتكلم عنها؟! وفي حديث آخر في مسلم (1319/7256) عن أبي هريرة (لا تقوم الساعة حتى تضطرب إليات أي أرداف نساء دوس حول ذي الخلصة)، وذي الخلصة صنم كانت تعبده قبيلة دوس في الجاهلية. وهل لم يجد الرسول عليه الصلاة والسلام حاشاه عن ذلك شيئا يصف به علامات القيامة سوى أرداف النساء؟!! وجاء أيضا في الحديث أن عيسى ينزل في آخر الزمان يقتل المسيح الدجال ويحكم الناس بشرع الله. أو ليس عيسى بن مريم نبي من أنبياء الله؟ فأين هذا من قوله عليه الصلاة والسلام (لا نبي بعدي). بل أين هذا من قوله تعالى: (خاتم الأنبياء) في حق رسوله محمد عليه الصلاة والسلام؟ وفي الحديث أيضا أن المسيح الدجال أعور ومعه في يديه نهران يجريان، كيف يحمل رجل في يديه نهرين يجريان؟!! وفي الحديث الآخر (7315) إن الدجال معه جنة ونار. وفي حديث ثالث (7320) إن الدجال يأمر السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت، وأن يقتل رجلا ثم يحييه. وهل يضع الله معجزاته في يد كافر؟! فالمسيح الدجال كافر كما جاء في الحديث. وأصل البلاء في كل هذه المواضيع أن كثيرا من الناس ذهبوا إلى تقديس الأحاديث تقديسا أعمى من غير بصيرة ولا تدبر ولا تفكر ولا نظر، وكأن كتاب الله العزيز وكلام رب العالمين فيه لا يعنيهم في شيء، فراحوا يلهثون خلف (خزعبلات وخرافات!!) لا تليق بنصوص الشرع. ذكر ابن النجار أن أحاديث البخاري ومسلم غير معصومة من العرض على موازين التعارض والتراجح، كما ذكره البيضاوي في المنهاج (99/3). كما أوقف مالك العمل بالعديد من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها لصريح المعقول، وكذا أوقف الإمام أبو حنيفة العديد من الأحاديث المشهورة في الصحيحين، فأجاز طواف الحائض وصحة العقود والمعاملات على خلاف النية، لأن النية لا أثر لها في صحتها. فكان من الأكمل والأجمل في حق الدكتور البار وغيره أن يتعامل مع الأحاديث عن تفكر وتدبر وبصيرة. فاكس:6975040 [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة