قال الدكتور سلمان العودة «عكاظ» (15737) إن الإمامين مالك وأبا حنيفة كرها صيام الست من شوال، معللين ذلك بالخوف من اعتقاد فرضيتهما لدى العامة، وهذا التعليل الذي ذكره الدكتور العودة هو من عند نفسه وليس هو مما استند إليه الإمامان في إنكارهما لهذا الصوم. فحجتهما تستند إلى ثلاث علل: الأولى الراوي لحديث: «من صام رمضان وأتبعه بست من شوال ..» وهو سعد بن سعيد إذ هو سيىء الحفظ ضعيف في مراتب تصنيف الرواة كما ذكره الحافظ ابن حجر في التقريب (519/753/ التحفة)، وقال عنه أحمد «.. سعد بن سعيد ضعيف جداً تركه مالك وأنكر عليه هذا الحديث». وقال عنه النسائي (814/3431 شرح السنن): سعد بن سعيد ضعيف، وقال ابن حيان: «لا يجوز الاحتجاج بحديث سعد بن سعيد، وهو مداره على عمر بن ثابت الأنصاري ولم يروه عن أبي أيوب غيره فهو شاذ ولا يحتج به»، فهذه الأولى التي أنكر لأجلها الإمامان صيام الست من شوال. والثانية أن هذا الحديث معارض بما هو أقوى منه وهو نهيه عليه السلام عن الصوم قبل رمضان لئلا يلصق به ما ليس منه، فيما رواه البخاري (5/14) ومسلم (465/2473) وأبو داود (7/11) والترمذي (2/4) والنسائي (13) وأحمد (1/221). ونقل النووي في شرح مسلم (465/2473) قوله عليه السلام: «إذا انتصف شعبان فلا صيام حتى يكون رمضان». وأورد ابن القيم في شرح السنن (814/2431) بأنه إذا نهى عليه السلام عن الصوم قبله فكيف بما يُضاف إليه بعده. ونقل المباركفوري في التحفة (419/677) عن السيوطي قوله: «والحكمة في النهي ألا يختلط صوم الفرض بصوم نفل قبله أو بعده حذراً مما صنعت النصارى في الزيادة على ما افتض عليهم برأيهم الفاسد». وثالثة الأثافي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صام هذه الأيام وهو لا يحث الناس على عبادة هو نفسه لا يفعلها، بل إذا حثهم على عبادة لا يفعلها لا يطيعونه كما حصل في صلح الحديبية، وهذا من طبيعة البشر وجبلتهم، وهذا معتقد جزمي قطعي بل إلزامي في معاني شهادة أنه رسول الله، وإلا انزلق الناس بهذا المعتقد الفاسد إلى معاني قوله تعالى: «أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم». والثانية أنه ما من صغيرة ولا كبيرة في حياته الشريفة العامة والخاصة التشريعية وغير التشريعية إلا وقد طفحت بها كتب الفقه والحديث. فإذا قبل الرسول زوجته وهو صائم أو وهو خارج للصلاة أو غمز قدميها ليزيحهما عن موضع سجوده أثناء صلاته في بيته أو اغتسل هو وزوجته من إناء واحد وغيرها من خصائص الأمور سارت بها الركبان وطفحت بها كتب الفقه والحديث، ثم يُقال لنا إن الرسول صام ستة أيام من شوال طيلة ثمانية أعوام ولم يذكر لنا ذلك صحابي ولا زوجة ولا أمة ولا عبد ولا مولى ولا خادم لا في سيرة ولا في قصة ولا في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف ولا شاذ ولا منكر ولا حتى موضوع ..؟! ولقد صام الرسول ما هو أقل أهمية وقدراً في الإطار التشريعي مثل يوم عاشوراء والليالي البيض والاثنين والخميس ثم طفحت بهذا الصيام كتب الفقه والحديث. ولذلك قال ابن حجر في النخبة (45) أنه مما يرد به الحديث أن يكون مناقضاً لصريح العقل. وهل ثمة مناقضة لصريح العقل أكبر من هذا؟! ولذلك وهذا حجر الأساس أوقف مالك وأبو حنيفة العمل بهذا الحديث ولأنه عند مالك مخالف لعمل أهل المدينة. ولذلك قال في الموطأ (1/221): «ما علمت أحداً من أهل الفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وهم الصحابة وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأنه يلحق برمضان ما ليس منه). ثم نرى من يحث الناس على صيام الست من شوال مستنداً على هذا الحديث بحجة أنه في صحيح مسلم. وهل كل حديث في البخاري أو مسلم أو متفق عليه يجب العمل به؟! فكم من أحاديث صحيحة لم يعمل بها أئمة الفقه وأصوله لمعارضتها لما هو أقوى منها وفق أصول استنباط الأحكام عند كل إمام. فالأحاديث أياً كانت غير معصومة من المناقشة والنظر والتدبر والعرض على موازين المقارنة والتعارض والتراجيح. ولذلك قال ابن تيمية في الفتاوى (36/379): «ما في الكتب .. أنفع من صحيح البخاري، لكن وحده لا يقوم بأصول العلم ... إذ لا بد من معرفة أحاديث أخرى وكلام الفقه). وعرض الأحاديث على أحكام ترتيب الأدلة أخذاً بالأقوى قد أوقف حشداً من أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم لمخالفتها لقواعد استنباط الأحكام الفقهية، فقد ترك مالك حديث البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، رغم شهرته في البخاري ومسلم، ولم يعمل بحديث «لا تنكح البكر حتى تسأذن ..» ولا بحديث «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ..» مع أنها في الصحيحين، ولم يعمل أبو حنيفة بحديث «إنما الأعمال بالنيات ..» في رفع الحدث. ولم يعمل بحديث «لا نكاح إلا بولي ..» مع أنها في الصحيحين. وترك أحمد العمل بحديث اليمانية في وجوب الزكاة في حلي المرأة رغم صحته في المستدرك على شروط البخاري. إذاً فليس كل حديث صحيح يجب العمل به، فترك السنة في هذه الحالة أولى من مخالطة البدعة، بمعنى أنه إذا دار الأمر كونه سنة عند فريق من أهل العلم وبدعة عند الآخرين فإن الأولى ترك السنة كما بين ذلك بالتفصيل الكاساني في البدائع (1/2912). فاكس: 6975040 E. Mail: [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 148 مسافة ثم الرسالة