«إيرز، أيالون، مراش، معسلياهو، نتفان، كتسعوت» تلك هي أسماء ستة سجون إسرائيلية، تنقل بينها على مدى ستة أعوام مواطن سعودي، رغم أن الحكم الصادر بحقه يقضي بسجنه ثلاثة أشهر فقط. ويعد ملف السعودي الوحيد الذي يقبع في سجون إسرائيل منذ سنة 2005م عبد الرحمن العطوي، الأكثر تعقيدا بين ملفات أي سجين وفي أية دولة، كونه استوفى تنفيذ الحكم الصادر بحقه، إلا أنه لازال في الأراضي المحتلة، ولم يشرع الطريق لتسليمه وإعادته إلى المملكة بعد رغم وجود وسيط فلسطيني امتثل من أجله أمام مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين عدة مرات. إليكم قصة عبد الرحمن العطوي، البالغ من العمر 40 عاما: عرف عن عبد الرحمن ولعه بالصيد والرحلات السياحية البرية، كما أنه عاشق للسفر والتنزه، وهو الولع الذي قاده ذات يوم إلى رحلة صيد في صحراء سيناء المصرية، فتاه وفقد السبيل للعودة، ليتجاوز الحدود المصرية داخلا إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل، ويقع في قبضة أفراد الأمن الإسرائيلي. وكشفت ل «عكاظ» المحامية والمستشارة القانونية بثينة دقماق عن تفاصيل كانت وراء حالة العطوي، إذ قالت إن التحقيقات التي أجرتها السلطات الإسرائيلية مع المواطن السعودي والتحري عنه، بينت أنه قد غادر من المملكة إلى الأردن، وأقام في العاصمة عمان، ثم اتجه إلى سورية، ومن هناك عاد إلى عمان ثانية، ومنها إلى الوجهة البحرية في الأردن، حيث ميناء العقبة، ليتجه عبره إلى مصر نزولا عند ميناء نويبع، وهناك اتجه إلى سيناء، والتي كانت مفصلا بارزا في الحادثة، بالتيه فيها وتجاوز الحدود. في 5 مارس (آذار) 2005م اعتقل العطوي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، على يد أفراد من الجيش الإسرائيلي، وجرى إيداعه في سجن «إيرز» قرب مدينة غزة، وهو السجن الذي يدار فيه التحقيق الأولي مع المتهمين، وأمضى فيه شهرا كاملا. في تلك الأثناء، وريثما انقطعت أخباره عن أسرته، ترددت أنباء نقلتها وسائل إعلام إسرائيلية عن اعتقال سعودي تسلل إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر، عندها تحركت أوساط حقوقية وقانونية في المملكة للتواصل مع أسرته ومنظمات حقوقية عالمية، للتثبت من صحة ما نشر، فكانت النتيجة موافقة لتلك الأنباء. وسيط فلسطيني دخلت مساعي تلك الأوساط في أضيق حدودها، وأصبحت في مأزق تجاه متابعة ملف القضية مع السلطات الإسرائيلية، فلم تجد بدا من توكيل وسيط فلسطيني، يكون بمثابة المنسق وحلقة التواصل بين الأطراف المعنية، ووقع الاختيار على إحدى مندوبات مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين، ومدير مؤسسة مانديلا، المحامية بثينة دقماق. تسلمت دقماق ملف القضية بعد 13 يوما من الاعتقال، في 18 من مارس (آذار) 2005م، والتقت بالمتهم في السجن، وبعد مداولات استمرت لما يقارب الشهر جاء موعد النطق بالحكم. عابر حدود وبعد شهر من الاعتقال جاء موعد النطق بالحكم في محكمة إيرز : السجن ثلاثة أشهر، بعد ثبوت الإدانة بعبور الحدود بطريقة غير مشروعة. عندها تم الزج بالعطوي في سجن «أيالون»، في منطقة الرملة، لإتمام مدة السجن المقررة عليه في الحكم، ومضت الأشهر الثلاثة وزيادة عليها ستة أخرى، والعطوي لا زال خلف القضبان، والسلطات الإسرائيلية تتزمت في إجراءات الإفراج عنه «لا نفرج عنه إلا إذا تعهدت دولة عضو في الأممالمتحدة باستلامه». رفض الأممالمتحدة حدد مكتب مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين في القدس خمس دول صالحة لاستلامه من بينها دولتان عربيتان وثالثة إسلامية، ورفعت لسفاراتها وممثلياتها بهذا الشأن، إلا أن جميعها أجاب بالاعتذار. وظلت المحامية بثينة دقماق تتردد باستمرار بين الجهات القضائية والتنفيذية التابعة للسلطات الإسرائيلية ومكتب المفوضية أملا في إيجاد حلول أخرى. الإضراب عن الطعام وفيما تجري محاولات الإفراج ظل العطوي قابعا في السجن أكثر من عام، وتم نقله إلى سجن «معسلياهو»، ليفقد الأمل في العودة، ويندفع إلى محاولة الانتحار بالإضراب عن الطعام لمدة عشرة أيام، حتى تصدر موضوع إضرابه الصفحة الأولى من جريدة «يديعوت أحرونوت»، بعنوان مثير بعد ترجمته من اللغة العبرية «السعودي العطوي مضرب عن الطعام منذ 10 أيام في المعتقل». وبثت وكالة «قدس بريس» متابعات تناقلتها صحف إسرائيلية بأن العطوي يعاني، ويمر بوضع صحي حرج، جراء إضرابه عن الطعام. وفيما ساءت حالته الصحية تم نقله إلى سجن «مراش» داخل مستشفى الرملة، وهناك تم إخضاعه للتغذية عن طريق الأنابيب، وإجباره على تناول الطعام عنوة، فاستجاب بعد أن شارف على الهلاك. وكان يعتذر عن الطعام بحجة أن الوجبات التي تقدم للسجناء سيئة ولا يمكن قبولها، وعند رغبته في شراء أطعمة إضافية فإن الإعانة المالية التي يصرفها له الصليب الأحمر لا تكفي لذلك، فهي محددة ب 100 شيكل إسرائيلي، بما يعادل 105 ريالات. استمرار السجن وظن العطوي أنه بعد الخروج من الأزمة الصحية ستحظى حالته بالتعاطف ويبدأ الشروع في الإفراج عنه وتسليمه لأية دولة، لكنه فوجئ بنقله إلى سجن آخر هو «نتفان»، ليقرر بعدها الإضراب ثانية عن الطعام، وتعود معها حالته الصحية إلى التردي، فيعاد إلى سجن «مراش» ثانية، وجرت محاولات تأهيله نفسيا وصحيا. وبعدها نقل إلى سجن «كتسعوت» في صحراء النقب (منطقة أنصار 3)، مع مجموعة من السودانيين كانوا قد طلبوا اللجوء السياسي. العطوي مزارعا ما أن تجاوز العطوي عامه الخامس في سجون إسرائيل، والسلطات تزج به من سجن إلى آخر، مارا بمراحل عصيبة في حياته، أثرت على صحته وبنيته، وعلى حالته النفسية، أجبر على العمل في الزراعة في مناطق زراعية داخل الأراضي المحتلة «الكبوتسات»، وكثفت أسرته مساعيها مع مفوضية الأممالمتحدة والمحامين للتوصل إلى واقعه. اتصال العطوي وتنفست أسرته الصعداء قبل حوالى شهرين وهي تشاهد على شاشة هاتفها المحمول رقما دوليا، لتسمع صوتا انقطع عنها منذ ستة أعوام، فابنهم العطوي يتحدث إليهم، ويبلغهم أنه على قيد الحياة. لتتحرك المحامية بثينة دقماق على إثر ذلك، وتبلغ مفوضية الأممالمتحدة بما تم، وطالبت سريعا بالتعجيل للبت في أمره، ومن المتوقع أن تعقد المفوضية اجتماعا الأسبوع المقبل بشأنه. الفيصل يتدخل وكان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية قد أكد في حديث صرح به في مؤتمر صحافي بشأن العطوي أن المملكة تبحث مع كل المؤسسات الدولية لاستعادته، وهي الأممالمتحدة، الصليب الأحمر، والهلال الأحمر. وأكد الفيصل مساعي المملكة لاستعادة العطوي «كل ما يمكن أن نعمله في هذا الإطار سوف نعمله». أمير تبوك طوال بقاء عبدالرحمن العطوي في السجون الإسرائيلية وقف صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبد العزيز، أمير منطقة تبوك على الوضع الاجتماعي لأسرة العطوي ويصدر توجيها بتقديم مساعدة مالية مجزية لأسرته، ودراسة وضعها من خلال برنامج الأمير فهد بن سلطان الاجتماعي، وسرعة تقديم العون والدعم لها على نحو كامل، وهو الموقف الذي خفف كثيرا على زوجة العطوي وابنته رحيل.. حقوق الإنسان يؤكد ل «عكاظ» رئيس جمعية حقوق الإنسان مفلح القحطاني علمه بتفاصيل قضية العطوي، وأوضح أنه سبق للجمعية أن خاطبت منظمة العفو الدولية بشأنه، بجانب الاكتفاء بمخاطبة المؤسسات الدولية الإنسانية دون التفكير في مخاطبة أية مؤسسة إسرائيلية..