تصاعد درامي لما يحدث في بعض أجزاء الشارع العربي لم يكن لأي خيال أن يتوقعه مهما كان متماديا وجموحا. شارع يلفه السكون لعقود طويلة، سكون أشبه بالاستسلام وإن كان ليس تسليما بالتصالح مع الواقع لأن إمكانية التعبير عن الاحتجاج غير متاحة وإن مارسها أحد حتى بأكثر الوسائل سلما فإن عواقبها وخيمة. من يفكر في الاحتجاج يتذكر ما حدث لمن مارسه قبله فيحجم فورا لأن الثمن فادح.. ما الذي حدث إذن وبهذه السرعة حتى يجعل هذا الشارع يتمرد على تأريخه الطويل من السكون؟؟ وكيف استطاعت الشرارة أن تنتقل بسرعة الريح إلى أكثر من منعطف في هذا الشارع؟؟. من تونس إلى القاهرة إلى طرابلس الغرب وبنغازي لحظة كتابة هذه السطور.. الإنسان لديه قدرة على احتمال المكاره قد تطول إلى وقت لا يتوقعه هو نفسه، لكن رفضه يظل كامنا يحتاج إلى محرك. الرفض عادة لا يحدث جماعيا، الفرد الاستثنائي هو الذي يفجر احتجاج المجموع كما فعل محمد بوعزيزي الذي نستطيع بثقة أن نقول إنه لن يتوقع ما حدث بعده لو قدر له أن يعرف .. محمد بوعزيزي في لحظة متمردة على الخنوع تساوت فيها الحياة مع الموت قرر أن يحتج بإحراق نفسه، حدث مأساوي لا شك فجر الغضب في مجتمع ارتفع وعيه بمفهوم العقد الاجتماعي وعلاقة السلطة بالمواطن ومفاهيم الحقوق والواجبات، وأتاحت له وسائل التواصل الحديثة مقارنة أوضاعه بأوضاع غيره في مجتمعات أخرى يتمتع فيها المواطن بالكرامة وكل الحقوق المكفولة له دون استجداء أو تمايزات أو مفاضلات غير عادلة .. الجيل القديم الذي نخره التعب لم يعد يرى أن ما تبقى في الحياة يبرر الدخول في مغامرة غير مأمونة العواقب، لكن الجيل الجديد أمامه وقت أطول للحياة رأى أنه ليس منطقيا أن يمضيه مسحوقا ومسلوب الإرادة والحقوق المعنوية والمعيشية. جيل يعيش فجوة هائلة بين تنظير السلطة وأبواقها والواقع المهين الذي يعيشه، ويؤمن أن أوطانه قادرة على توفير الحياة الكريمة له إذا ما أحسنت إدارتها، فما الذي يمنعه من المحاولة وما الذي يخاف عليه إذا أصبحت حياته بلا معنى ولا قيمة؟؟.. جيل يتواصل في ذات اللحظة ، همومه متساوية ومطالبه موحدة، انتظرها وعبر عنها بكل الوسائل لكنها لم تتحقق، فما الذي يمنع من المضي باتجاه الخطوة الحاسمة.. ولكي يمكن الحفاظ على مقدرات الأوطان واستثمار هذا الجيل الصاعد في حركة التقدم والتطوير والنهضة بعيدا عن الاحتقانات التي قد تدفعه إلى وسائل التعبير المتسمة بالعنف، فلا بد من الاستباق بمراجعة بعض الأوضاع والبدء في إصلاح مواطن الخلل وبناء جسور الثقة الحقيقية التي تحمي حاضر الأوطان ومستقبلها. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 259 مسافة ثم الرسالة