يجعل ديننا الحنيف ضمن تعاليمه ما تستقر به حياة الفرد، فجبريل عليه السلام يوصي بالجار حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل سيجيء معلما إياه بأن يرث الجار جاره، رغم أن درجة "الميراث" التي قد يحرم منها الأقارب من الدرجة الثانية وأحيانا الأولى. جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه". بل نجد الحث النبوي على الإحسان للجار ويجعل خير الجيران خيرهم لأصحابه؛ فعن شبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره" رواه الترمذي. ويتعدى الأمر لما هو أكبر من ذلك فالجار يتفقد جاره، وينبغي ألا يشبع وجاره جائع فعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يشبع الرجل دون جاره"، تفرد به أحمد. ونظرا لمكانة الجوار في الإسلام؛ فقد جعل الله تعالى الخطأ في الجار أكثر جرما من الخطأ في غيره، لما في الخطأ في حق الجار من تفكك العلاقات الاجتماعية بين الجيران، فيأثم المسلم أضعاف الإثم إن ارتكبه في حق جاره، فقد ورد عن المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "ما تقولون في الزنا؟" قالوا حرام حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره"، قال: "ما تقولون في السرقة؟" قالوا: حرمها الله ورسوله، فهي حرام، قال: "لأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره" تفرد به أحمد، وله شاهد في الصحيحين من حديث ابن مسعود: قلت : يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" قلت: ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت ثم أي ؟ قال "أن تزاني حليلة جارك". والواقع الذي نحياه يجسد جفاء المدنية الحديثة؛ التي جعلت الابن لا يراعي شعور جاره فقط؛ بل شعور والديه أيضا. فباسم الحق يستطيع الابن أن ينقطع عن أبيه ما دام قد وصل لسن بعينها، وباسم القانون تخرج البنت عن طوع أبيها، وتذهب للفاحشة وكأن من رباها رجل غريب لا تعرفه ولا يعرفها، فكم رأيت أثناء زيارتي للغرب قطيعة وهجرا وعقوقا للوالدين وهروبا من حياة العفة والفضيلة للرزيلة باسم الحرية والتحضر، هذا بين الأبوين والأسرة فما بالنا بالجيران وبقية أفراد المجتمع. لقد طغت المادة على حياتنا التي نريد أن نحياها آمنة ودودة يتعاطف الجميع فيها باسم الحب والأمن والإنسانية والسلام النابع من روح الإسلام وتشريعه. فالحياة المدنية التي نريدها يعرف فيها الفرد حقه وواجبه، ويعطي ما عليه ولا ينتظر ما له، وينبع من داخله الحب والعطاء للآخرين ولا ينتظر لمعروفه أجرا إلا من الله تعالى فتلك حياتنا المدنية وجوارنا الفولاذي.