كان أهالي جدة في الماضي يستبشرون خيرا بهطول الأمطار، وترقص الفرحة في أعينهم كلما لامسوا زخات المطر، وكان الأطفال أكثر فرحا كلما تلبدت السماء بالسحب الممطرة. واختلف الحال الآن وانقلب رأسا على عقب، حيث أصبح أهالي جدة يعيشون في حالة من الرعب كلما شاهدوا السحب الممطرة أو ترقبوا تحذيرات الأرصاد، خصوصا بعد أن شهدت العروس مأساة تكررت عامين على التوالي. ورأى الأطباء النفسيون، أن الأطفال والنساء أكثر تعرضا لكوابيس النوم بعد كارثة أمطار الأربعاء الماضي، مشيرين ل«عكاظ» أن هذه الحالة تعرف بالفلاش باك، وهي حالة طبيعية تحدث كرد فعل للوضع المأساوي الذي شاهده أو عاشه الإنسان. وأكدوا أن التأهيل النفسي في هذه الحالات يكون من خلال دراسة كل فرد على حدة، لتحديد العلاج اللازم ومدى احتياجه للجلسات النفسية. الفلاش باك واعتبر استشاري الطب النفسي محمد الحامد أن أهم انعكاسات كارثة جدة النفسية هي التذكر الدائم لمجريات الحدث، ولا سيما من قبل الأطفال والنساء الذين يعيشون حالة الكوابيس وهو ما يعرف بحالة «الفلاش باك» عند النوم، ويلاحظ في هذه الحالة حدوث الفزع عن تذكر المأساة أو الكارثة، وأشار إلى أن «هذه الفئة تحتاج إلى تأهيل نفسي حتى تتمكن من تجاوز حالة الخوف والتوتر والقلق». وأوضح الحامد، أن التأثير النفسي لا يزول بسهولة في الكوارث والأزمات، لأن الفرد يشعر بالخوف والإحساس الدائم بالقلق والتوتر وعدم الأمان وغياب الانتباه. خوف وتوتر ويتفق استشاري الطب النفسي الدكتور أبوبكر باناعمة مع الرأي السابق، ويقول: الانعكاسات النفسية المترتبة على الحالات المتضررة من كارثة جدة عديدة، أهمها حالة الخوف والتوتر والقلق المصاحب لفقدان الرغبة في الأكل أو العمل، وخصوصا من قبل الأشخاص الذين فقدوا أبناء أو أقارب لهم في كارثة الأمطار، فهؤلاء عاشوا واقعا مريرا ومختلفا عن الذين كانوا بعيدين عن واقع الحدث. وأكد باناعمة، أن إهمال الحالات المتأثرة قد يؤدي إلى تفاقم الإصابة إلى الاكتئاب، لذا يجب على الأسر ألا تهمل الجانب النفسي في الحالات المتضررة. رعب الأمطار ورأى استشاري الطب النفسي الدكتور محمد إعجاز براشا، أن الحالة النفسية للإنسان تتأثر في الكوارث الطبيعية كرد فعل تستجيب له أعضاء الجسم، وقد يشكل ذلك «الصدمة» عند الأشخاص الذين يفقدون أحدا من أسرهم أو أقاربهم أو أطفالهم أو يخسرون ممتلكاتهم ووثائقهم، وهذه الفئة تحتاج إلى إعادة تأهيل نفسي متكامل حتى يتمكنون من تجاوز مرحلة المأساة. ولفت براشا إلى أن الانعكاسات النفسية في الكوارث هي رد فعل طبيعي تستوجب في كثير من الحالات إلى التدخل العلاجي عبر الجلسات والأدوية.