الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    فرصة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «آثارنا حضارة تدلّ علينا»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    أرصدة مشبوهة !    «المرأة السعودية».. كفاءة في العمل ومناصب قيادية عليا    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    فعل لا رد فعل    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    «إِلْهِي الكلب بعظمة»!    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



null
نشر في عكاظ يوم 23 - 01 - 2011

نواصل التقليب في أوراق ملف الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وما يصاحب هذا الانضمام من مكاسب أو خسائر أو انعكاسات جانبية على القطاعات الاقتصادية المختلفة.
يستهل الدكتور عابد العبدلي الأستاذ في قسم الاقتصاد الإسلامي في جامعة أم القرى حديثه ل «عكاظ» بتسجيل اختلافه مع ما أثير حول مكاسب الانضمام لمنظمة التجارة، الذي نشر في «عكاظ» الأربعاء الماضي قائلا: علينا أن نعلم أولا أن منظمة التجارة العالمية هي إنتاج دول اقتصادية عظمى وهي رغبة قديمة وحديثة، حيث كانت فكرتها بعيد الحرب العالمية الثانية، طرحتها الدول المنتصرة آنذاك لتعويض خسائرها الاقتصادية، جراء حروبها وصراعاتها العسكرية، تحت مسمى منظمة التجارة الدولية ITO بجانب المنظمات الاقتصادية الدولية تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكان ذلك في عام 1946م، حيث خرجت تلك الدول من الحرب بأعباء اقتصادية ضخمة وكانت مواردها الاقتصادية تحولت لخدمة قطاعها العسكري والحربي، ما أثر سلبا على اقتصادها المدني، لكن انتصارها العسكري منحها مكانة ووضعا يمكنها من فرض خططها على الآخرين وصناعة مستقبلها الاقتصادي والتنموي على مستوى العالم. وكانت فكرة منظمة التجارة العالمية آنذاك فرصة سانحة للدول المنتصرة لبناء اقتصاداتها والهيمنة المطلقة على الاقتصاد العالمي وتعويض ما تعرضت له من خسائر أثناء الحرب. ونتيجة لتلك الحروب امتلكت تلك الدول قطاعات اقتصادية حربية هائلة تمثلت في القطاعات الإنتاجية الحربية من أسلحة وذخائر وغيرها وقطاعات لوجستية وخدمية، إضافة إلى الطاقات الإنتاجية الحربية الهائلة، وكان لابد من استغلال كل هذه الإمكانات لبناء اقتصاداتها المستقبلية، ولم يكن ذلك ممكنا إلا من خلال فتح الأسواق الدولية وغزو العالم اقتصاديا، ومع ذلك لم تتمكن هذه الدول من تمرير فكرة منظمة التجارة العالمية؛ نظرا لاعتراض بعض الدول عليها وأهمها الكونجرس الأمريكي، وليس ذلك اعتراضا على الفكرة ولكن لعدم مناسبتها في ذلك الحين، وكان هذا تبريرا منطقيا، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى حقبة زمنية لتحول مواردها الاقتصادية من القطاعات الحربية إلى القطاعات المدنية.
ورغم تعليق فكرة تطبيق منظمة التجارة العالمية إلا أنه تم استبدالها باتفاقية الجات العالمية في عام 1948م، حيث كانت (الجات) حلا بديلا مؤقتا يمنح دول الحلف المنتصر فرصة بناء اقتصاداته المدنية بما يمكنها من السيطرة والهيمنة على مستوى العالم، ومن ثم إخضاع بقية دول العالم بالترغيب وبالترهيب إلى الانضمام إلى ما يعرف اليوم في منظمة التجارة العالمية WTO التي انطلقت من جولة مراكش في المغرب في عام 1995م.
وبهذا تكون هذه الدول التزمت بتخطيطها القديم وأعادت فكرة تطبيق الحلم القديم وفتح أسواق العالم لمنتجاتها وإحكام سيطرتها الاقتصادية على دول العالم حتى في سياساتها الاقتصادية الداخلية، ولم يكن أمام الدول الأخرى لاسيما الدول النامية إلا القبول بأسوأ الاحتمالات والانضمام إلى المنظمة، مع أن الواقع يؤكد أن مبادئ وبرتوكولات هذه المنظمة مصمم لخدمة الأقوياء اقتصاديا؛ لأنها أشبه بحلبة المصارعة لا مكان فيه للضعفاء، أضحت بمثابة وكالة دولية لدول الشمال لتهيئة أسواق واقتصادات دول الجنوب لمنتجاتها الصناعية وخدماتها وحركة رؤوس أموالها.
وفي ظل هذه البواعث والخلفيات للمنظمة يمكن أن نتعرف على حالة البلدان النامية ومنها المملكة، ومدى جدوى انضمامها لها. فالمملكة انضمت إلى هذه المنظمة في أواخر عام 2005م وأصبحت العضو 149 في النظام التجاري العالمي، وفي الواقع أن فترة انضمامها تعتبر قصيرة نسبيا لمعرفة الصورة كاملة عن سلبيات وإيجابيات هذا الانضمام، خصوصا أن المنظمة تروج منذ نشأتها عن المكاسب العائدة للدولة العضو على المدى البعيد وليس المنظور. وفي الحقيقة أن التقييم ينبغي أن ينبع من الواقع الاقتصادي ومدى انعكاس هذه الإيجابيات على الحياة الاقتصادية للمواطن، وهذا يشكل المحك الحقيقي لجدوى الانضمام إلى المنظمة.
ولاشك أن الاقتصاد السعودي حسب المؤشرات الرقمية والإحصائية سجل نموا إيجابيا في مختلف القطاعات، مثل ارتفاع معدل النفاذ التجاري إلى الأسواق العالمية إلى أكثر من 70 في المائة، ارتفاع عامل التنافسية في بعض القطاعات الخدمية مثل الاتصالات، ما انعكس على خفض تكلفة الخدمات نسبيا وتنوع حزمة الخدمات المعروضة أمام المستهلك، النمو الأفقي والرأسي للقطاعات الإنتاجية ورفع نسبة التنوع الاقتصادي، إضافة إلى ذلك تسجيل المملكة مراتب متقدمة في بعض المجالات مثل تصدرها المرتبة الأولى عربيا في جذب الاستثمارات، واحتلالها المرتبة ال11 عالميا في التنافسية.
ولكن لا يمكن عزو هذا التحسن إلى الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية فقط، كما لا يمكن أخذ هذه المؤشرات كمقياس نهائي لمكاسب الانضمام إلى المنظمة، فهناك الكثير من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني وتعرقل مكاسبه من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
على مستوى الصادرات: فاقتصاد المملكة بالدرجة الأولى اقتصاد نفطي ويعتمد بدرجة كبيرة على عوائده، وأصبح سوق النفط الدولي وسعر البرميل هو المؤشر الحقيقي للاقتصاد الوطني، وبالتالي فإن نمو إجمالي حجم التجارة الخارجية للمملكة ليس بالضرورة كانعكاس للانضمام لمنظمة التجارة ونفاذ صادراتنا إلى أسواق جديدة أو زيادة وتنوع القطاعات التصديرية، بقدر ما هو انتعاش في أسواق النفط الدولية وتسارع أسعار النفط، ما انعكس على ارتفاع حجم صادراتنا للخارج، لا سيما خلال السنوات القليلة الماضية.
وبالرغم من كون النفط يشكل مصدر قوة للاقتصاد الوطني فإنه لا يزال مستثنى من جداول السلع في المنظمة، خصوصا في البلدان الأكثر استهلاكا للنفط، بل من المرشح أن تضع هذه البلدان مزيدا من القيود والضرائب على وارداتها من النفط في ظل سياسة مكافحة التلوث البيئي والبحث عن مصادر طاقة بديلة، حيث هناك اتجاه تصاعدي في معدل الضرائب المفروضة على النفط في البلدان المستهلكة منذ 1995م، مع تصاعد نسبة الضريبة من السعر النهائي، ما يعني ارتفاع تكلفة الاستهلاك النهائي في أسواق النفط.
على مستوى الصادرات غير النفطية: تشكل منتجات المشتقات البترولية نسبة كبيرة من حجم صادراتنا غير النفطية، وهذه أيضا تواجه عدة تحديات. أولا فهي لا تزال تعاني من النفاذ إلى بعض الأسواق الآسيوية وتواجه سياسات مكافحة الإغراق في بعض البلدان الآسيوية، الأمر الذي يوحي بتحييد قطاع النفط ومشتقاته اللذين يعتبران المحرك الحقيقي للاقتصاد من مكاسب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية.
ثانيا: هناك تراجع في نمو هذا القطاع منذ الانضمام إلى المنظمة، فخلال الفترة 2005 2010م وهي فترة ما بعد الانضمام، تراجع إجمالي عوائد الصادرات غير النفطية بنحو 10 في المائة، وكان أكثر تراجعا ملاحظا على مواد البناء بنحو 31 في المائة ثم البتروكيماويات 15 في المائة، باستثناء المنتجات الزراعية والغذائية والحيوانية التي سجلت نمو بنحو 15 في المائة.
لا تحسن كبيرا في الخدمات
على مستوى الخدمات التي تقدم للمواطن: ربما المحك الحقيقي لتقييم المكاسب والإخفاقات من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية يكمن في مستوى رضا المواطن وانطباعه العام، وهذا يحتاج إلى استقصاء دقيق لرصد هذا الانطباع قبل وبعد الانضمام، لكن من الملاحظ أن مستوى الخدمات المقدمة للمواطن كمستهلك نهائي لم يطرأ عليها تحسن كبير، سواء تلك المرتبطة في القطاعات الحكومية أو في القطاع الخاص، فلا يزال المستهلك من وجهة نظر القطاعات الخدمية مجرد مصدر طلب ودخل لتلك القطاعات ومنتجاتها.
وعلى مستوى الخدمات الأساسية التي تمس حياة المواطن، مثل التعليم والصحة، فاعتقد الدكتور العبدلي أنها بعيدة كل البعد عن طموحات المواطن، فالخدمات الصحية وبكل أسف تمثل معاناة حقيقية للمواطن رغم الميزانيات الضخمة المخصصة لهذا القطاع سنويا، فكل المؤشرات الدالة على الخدمات الصحية لا تزال سلبية، مثل نسبة الأطباء والأسرة لكل ألف نسمة، قوائم الانتظار في المستشفيات التخصصية، وقصر بعض المستشفيات على فئات مجتمعية معينة، ما يجبر المواطن البسيط اللجوء مضطرا إلى مستشفيات القطاع الخاص عالية التكلفة.
وكذلك الخدمات التعليمية لاسيما التعليم العام، فليست بأحسن حال مقارنة مع الخدمات الصحية، فعلى مستوى المنشآت المدرسية لا تزال أغلب المدارس في مبان مستأجرة، ولا تزال كثير من القرى فارغة من أي مؤسسات تعليمية عامة، وهذا أيضا منح فرصة لانتشار التعليم الخاص وهو مؤشر على انحسار التعليم العام وتدني جودته.
ارتفاع التضخم
على مستوى الأسعار: هناك ارتفاع ملحوظ في الرقم القياسي للأسعار خلال الخمس سنوات الماضية، فلو قارنا الخمس سنوات ما قبل وما بعد الانضمام نجد أن معدل التضخم خلال الخمس سنوات ما قبل الانضمام بنحو 0.7 في المائة، بينما خلال الخمس سنوات بعد الانضمام ارتفع مستوى الأسعار بنحو 26.6 في المائة، ما انعكس على القدرة الشرائية للمواطن لاسيما في ظل ثبات الأجور على الرغم من موجة تهاوي الأسعار على مستوى العالم؛ جراء انخفاض الطلب العالمي نتيجة للأزمة المالية العالمية.
على مستوى التوظيف: هناك أيضا مؤشرات سلبية، حيث تظهر الإحصاءات استمرار انخفاض نسبة السعودة في القطاع الخاص، حيث كانت نسبة السعودة في هذا القطاع تتراوح بين 1520 في المائة، وفي عام 2009م انخفض إلى ما دون 10 في المائة، وتشكل العمالة الأجنبية في هذا القطاع أكثر من 90 في المائة، وهذا مؤشر على الأثر السلبي للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في برنامج السعودة في سوق العمل الخاص قطاع التوظيف.
وإجمالا تشير الإحصاءات إلى أن متوسط معدل البطالة بين المواطنين خلال 20052009م بلغ نحو 10.9 في المائة، بينما بلغ متوسط معدل البطالة 7.87 في المائة خلال 2000 2004م.
إصلاحات متعددة
ويقلب الدكتور سيد فتحي أحمد الخولي أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز نائب المدير التنفيذي في مركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (سيداري)، في صفحات ملف الانضمام لمنظمة التجارة، قائلا: إن المملكة حققت خلال مفاوضاتها الثنائية ومتعددة الأطراف للانضمام للمنظمة نجاحا كبيرا، حيث تمكنت خلال هذه المفاوضات من إبرام اتفاقيات ثنائية مع عشرات الدول في مختلف أنحاء قارات العالم، كما تمكنت من تحقيق المزيد من الإصلاحات التشريعية في ميادين اقتصادية وتجارية مثل قطاع التأمين وقضايا تتعلق بالملكية الفكرية.
ومن المعروف أن فكرة منظمة التجارة العالمية تقوم على نظرية «آدم سميث» بحيث تنتج كل دولة المنتج الذي تتمتع فيه بميزة نسبية عن غيرها من الدول وبوفرة الإنتاج بحيث تتاجر مع الدول الأخرى، فتصدر فائض الإنتاج وتستورد السلع التي لا تنتجها لعدم تمتعها بميزة نسبية في إنتاجها، إلا أن ممارسة الدول الصناعية الكبرى وتسليمها زمام الأمور الاقتصادية للشركات الكبرى أفقدت نظرية المزايا التفاضلية أهميتها، فهذه الشركات لم تعد تبحث عن مناطق توفر الموارد الأولية والعمالة الرخيصة، بل تحقق أرباحها عن طريق قوة عمل عالية التأهيل ومشاريع مجهزة بقدرات تكنولوجية متقدمة، كما أن نظرية أدم سميث بفعالية اليد الخفية التي تعتمد على الحرية المطلقة للاقتصاد لم تتحقق في الدول التي نجحت في تخطي الفقر وبلغت مستويات اقتصادية مرتفعة، مثل: حكومات كوريا الجنوبية، سنغافورة، وماليزيا اعتمدت على تقديم الدعم الكافي للمستثمرين القادرين على إنتاج سلع قابلة للتصدير، ولهذا وبالرغم من أن النفط ومنتجاته يشكل المورد الذي يعطي المملكة الميزة النسبية فإن الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 85 في المائة من الإيرادات الحكومية، ولحسن الحظ أن المملكة لا تزال ملتزمة بتنويع اقتصادها، حيث أبرزت الميزانية العامة للمملكة استمرار التزام الحكومة بالتركيز على تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة وحرصها على إعطاء الأولوية للمشاريع التي تضمن التطوير الدائم والمتوازن وخلق فرص عمل جديدة.
ومن هذا المنطلق، فإن مدى الاستفادة من منظمة التجارة العالمية وتحقيق مكاسب يعتمد على قدرة القطاع الصناعي على تقليص الاعتماد المفرط على الاستيراد لصالح زيادة الإنتاج، وستظل متطلبات النمو الاقتصادي متمثلة بزيادة الإنتاج والصادرات من المنتجات والسلع من غير النفط الخام والغاز، فصادرات النفط الخام وأسعاره كثيرا ما تخضع لتقلبات سريعة؛ بسبب عوامل وظروف خارجية غير متوقعة في سوق الطاقة الدولي، ما يؤثر سلبيا في الإيرادات العامة وبالتالي تؤثر في النشاط الاقتصادي المحلي، ولهذا فإن الثروة النفطية هي موارد طبيعية ناضبة ولابد من توقع نفاذها في وقت ما في المستقبل. ولذلك، يكون من الضروري تنمية هذه الثروة من خلال انخفاض نسبة إسهام القيمة المضافة لقطاع النفط الخام والغاز في قيمة الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع نسبة إسهام الصادرات غير النفطية في مجموع الصادرات الوطنية. وكذلك انخفاض نسبة إسهام الإيرادات النفطية في تمويل الإنفاق الجاري في الميزانية العامة للدولة مع ارتفاع نسبة إسهام القيمة المضافة للقطاع الخاص في قيمة الناتج المحلي الإجمالي.
ويرى الد‌كتور فيصل بن عبدالله العتيبي الكاتب والباحث في قضايا التنمية المستدامة، أنه من المهم أولا أن نعود إلى التاريخ للرجوع إلى فلسفة ظهور منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات التي قامت على أساسها، قبل أن نوازن بين الأرباح والخسائر الناجمة عن انضمام دولة ما لها من عدمه، فمنظمة التجارة العالمية وحسب الصياغة الفكرية للاقتصادي الشهير آدم سميث تتمثل في أن كل شعب يتميز بقدرة نوعية في تصنيع سلعة ما، وأنه بتحرير التجارة بين هذه الشعوب في إطار عالمي سيكون هناك جودة في الإنتاج نتيجة للتخصص، بالإضافة إلى خفض في التكلفة وبالتالي توسيع في هامش الربحية ما يعود على العالم أجمع بالرخاء والفائدة. كانت تلك هي الفكرة الأصيلة التي استمدت دول العالم منهجها الاقتصادي منها، لاسيما أن هناك تطورا ملموسا حدث في مفهوم وفلسفة منظمة التجارة العالمية عندما تم تمكينها على أرض الواقع أفضى إلى ما أفضى إليه من سعي الدول وركضها المحموم للانضمام لهذه المنظمة.
واليوم بعد خمس سنوات من انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية أصبح السؤال الذي تطرحه «عكاظ» جديرا بالاهتمام، حول الأرباح والخسائر المترتبة على هذا الانضمام، وحتى نجيب على مثل هذا السؤال لابد أن نحدد أولا ما هي السلعة التي نتميز بها كشعب في هذا القطر الذي هو المملكة عن بقية شعوب العالم؟ وإذا لم يكن لدينا سلعة معينة ننافس بها شعوب العالم نوعيا، فهل هناك مكاسب أخرى يمكن تحقيقها من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية؟.
حسنا فلنقلب الأوراق معا، فالسلعة الوحيدة التي تمتلكها السعودية وتتميز بها نوعيا هي النفط الذي يمثل 90 في المائة من ناتجها المحلي، فالنفط سلعة خارجة عن اتفاقية منظمة التجارة وغير محمية من قبلها وهذه أولى الخسائر، فنحن ملتزمون بفتح أسواقنا للعالم لتصدير منتجاته، فيما يغلق هو أبوابه في وجه سلعتنا الوحيدة، لاسيما أننا خارج سباق الزراعة العالمية ولا نملك في الصناعة سوى مشتقات البترول والتي لا تعد سلعة نوعية؛ نظرا لوجود ضوابط حمائية شرسة في الصين والهند. وبالتالي خرجنا من سباق الصناعة، لا يبقى أمامنا سوى سباق تجارة الخدمات التي يمثل الاستثمار الأجنبي أبرز أشكالها، فرغم ما حققته المملكة من مراكز متقدمة في مجال التنافسية والبيئة الجاذبة للاستثمار وغيرها من التصنيفات العالمية، إلا أننا لم نحقق شيئا للداخل كما حققنا للخارج فلا زالت نسب البطالة مرتفعة ونسب السعودة في انخفاض مستمر، ولم نسجل حتى الآن حضورا لشركات عالمية، سواء في قطاع الاتصالات أو الطيران أو الطب كما لم نسجل حضور فروع لجامعات عالمية باستثناء التوأمة مع بعض الجامعات في القطاع المعرفي، كما لم نسجل حضورا لتوطين التقنية باستثناء بعض الأخبار الأخيرة المتفرقة هنا وهناك، وبالتالي نحن فعليا خارج سباق تجارة الخدمات على الأقل حتى الآن.
ويضيف، أن أقل ما يمكن قوله في مجال تقييم الأرباح والخسائر المتعلقة بالانضمام لمنظمة التجارة العالمية هو رجوح كفة الخسائر على كفة الأرباح حتى الآن، إلا أن ذلك لا يلغي مسألة الأرباح المتوقعة من الانضمام.
وأضاف: إن علينا حتى نستطيع قلب الميزان لصالحنا من تحقيق تميز نوعي في السلع غير النفطية بالدرجة الأولى بتوجيه الاستثمار فيها ودعمه دعما مباشرا، والاستفادة من معطيات تجارة الخدمات في تحسين المستوى المعيشي ورفع معدلات التنمية من خلال إعادة هيكلة ضوابط الاستثمار الأجنبي وقلبها لصالح الداخل أكثر من الخارج، والتي أتمنى أن تكون في المنظور القريب جدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة