لا يمكن أن تزرع قلب أسد في جسد حمامة، فالصحافة تستمد قوتها وتأثيرها من المجتمع الذي تعيش فيه، ففي المجتمعات المتحضرة يجن جنون الناس إذا ما تعرض صحافي لضرر ما، أما في المجتمعات الأخرى فإن الناس يسعون دائما للتشكيك في نوايا الصحافيين ويحبطون أية محاولة مهما كانت خجولة لرفع سقف الحريات الصحافية كي لا يذكرهم أحد بواقعهم الأخر. ولا يخفى على أي عاقل بأن الصحافي متى ما تخلى عن ضميره والتزامه المبدئي تجاه مهنته ومجتمعه تفتح أمامه مغارة علي بابا، فيحصل على الأموال والتسهيلات التي لا تخطر على بال، ولكن الصحافي الحقيقي غالبا ما يختار طريق الشقاء، فيشاكس ويكشف المستور ولا يكسب إلا العداوات الكبيرة، وحين تأتي اللحظة التي يخسر فيها عمله ثمنا للحقيقة ليس ثمة شيء يؤلمه أكثر من قول الناس الذين ظن أنه كان يحارب من أجلهم: (يستاهل.. ما حمد ربه على النعمة.. وجلس يبربر لين جات على راسه)!. لذلك، فإن ما صدر عن مدير عام التربية والتعليم في المدينةالمنورة خلال اللقاء الذي جمع التربويين بالإعلاميين تحت عنوان (شركاء في المسؤولية) يعد صورة فاضحة للواقع المرير الذي يواجهه الصحافيون عندنا، حيث خاطبهم بلغة لا تليق بمسؤول تربوي كبير قائلا: (لو أنتم رجال لنشرتم القضايا الأمنية)، ثم عاد هذا المدير ليعتذر لهم، ويطلب منهم عدم نشر كلامه، وهو بالطبع لم يفعل ذلك احتراما للصحافة، بل خوفا من الآثار المترتبة على نشر كلامه: (أفا.. وين راحت المراجل؟!). كنت سأعتبر أن هذا المدير التربوي قال عبارته الطائشة تلك حرصا على رفع سقف الحريات الصحافية لو لم يطلب عدم نشرها، بل كنت سأتفهم تراجعه السريع عن رأيه وأقدر بأنه أضعف من يمضي بعيدا في رأيه لو كان هذا الرأي صدر عنه في لحظة صدق لم يستطع كتمانها، ولكنني اكتشفت من خلال التغطية الصحافية أن (المرجلة) بالنسبة له تعني تزييف الحقائق وتظليل الناس، فقد قال إن المدارس لديها فائض من المعلمين والمعلمات، ثم عاد تحت ضغط الصحافيين ليعترف بأن النقص وصل الحد الذي جعل المدارس تفتح أبوابها في الصباح والمساء!، بل إنه طلب من الصحافيين عدم نشر شكاوى أولياء الأمور والاكتفاء بإرسالها إلى بريده الإلكتروني أو إيصالها إليه عبر صفحته على الفيس بوك!. باختصار، هذا المدير يريد من الصحافة أن تتستر على الحالة المزرية التي تعيشها إدارته، والتي لا تخفى على أي شخص يعيش في المدينةالمنورة، والدليل على ذلك أنه حين ضاق ذرعا بمداخلات الصحافيين قال لهم: (العشاء برد)!، وباختصار، يمكننا القول بأن الناطقين الرسميين في مختلف الأجهزة الأمنية أكثر وعيا منه بدور الصحافة؛ لأنهم يردون على اتصالات الصحافيين حتى بعد منتصف الليل، ويجيبون على الأسئلة المتعلقة بالقضايا الأمنية دون أن يسكتوهم بعبارة: (العشاء برد)، وباختصار، يمكنكم تخيل المعاناة التي يعيشها الصحافيون عندنا من خلال الصورة الكاريكاتورية لمربي الأجيال الذي يدعو الصحافيين كي يوثق علاقة إدارته معهم، وحين لا تعجبه انتقاداتهم يقول: (إذا كنتم رجال)!. هذا بخلاف أن هذه الصورة قد تساعدكم على فهم السبب الذي يدفع طلاب المدارس اليوم لأن يكرروا على زملائهم ومعلميهم عبارة: (الوعد برا)!. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 211 مسافة ثم الرسالة